النرجسية (Narcissism) هي مفهوم يُستخدم في علم النفس، لوصف نمط من التفكير والسلوك، يتمحور حول حب الذات المفرط، والشعور المبالغ فيه بالأهمية، مع حاجة قوية للإعجاب من الآخرين، و غالباً نقص في التعاطف مع مشاعرهم و احتياجاتهم.
و لكن في هذه الأيام ومع كثرة اللغط في هذا الموضوع، بات من السهل جداً أن تحكم على إنسان أنه نرجسي، و من السهل جداً أن تقول لشخص: أنهي علاقتك مع فلان النرجسي، لكن لو كنت مكانه حقا فمن الصعب جداً أن تقوم بتطبيق نصيحتك نفسها!
خصوصا لو كانت الضحية طفل، أو إمرأة كبيرة في السن، عاطلة، أو مريضة، أو ضعيفة لسبب ما، أو حتى عندها أطفال صغار، (لو فرضنا أن زوجها هو الشخص المتهم بالنرجسية).
بصراحة وصف الناس المؤذية بأنهم نرجسيين صار منتشرا جداً بشكل مزعج، والغالبية العظمى يقولون: بأنه من المستحيل أن يتغير، بطريقة مستفزة وقاتلة لكل أمل، و أنه ليس له دواء غير الإبتعاد عنه، أو وضع الحواجز القاسية بيننا و بينه، لكن بالنسبة لي فلدي الكثير من التساؤلات بهذا الخصوص، و قد لا أميل إلى الإعتراف بوجود النرجسيين أصلاً، إلا إذا تبين لي غير ذلك بالأدلة القاطعة، و أراهم فقط أشخاص سيئين، ومن الممكن أن يهديهم الله للتوبة في يوم من الأيام، و الله على كل شيء قدير، مع أنه ومن الممكن غالباً _ و الله أعلم _ أنهم لن يهتدوا، لان الله لا يهدي القوم الظالمين.
اليوم قرأت نصيحة مضمونها، أنه يجب أن نعيد وصف الشخص المتهم بالنرجسية في عقولنا، بأنه شخص مؤذي وميؤوس منه، ونلغي كل كلمة محبة تجاهه من ناحيتنا تماماً، ولكنني أرى أن الحل الأمثل ليس شرطاً بأن يكون حكماً صارماً، بحيث نشوه كل الأشياء الحلوة عنه، و لا أن نكون بسطاء بشكل زائد وننتظر ونستنزف أنفسنا بتفاؤل وأمل كبيرين في صلاحه، مع إمكانية وصفه بالشخص الذي لديه خصال سيئة، بما يدفعنا إلى وضع الحدود بيننا بقدر صفاته.
أنا لست طبيبة نفسية ولا أخصائية، و لا أعلم إذا كان لي الحق في إبداء رأيي في هذا الموضوع، ولكن بما أنني مسلمة، فأنا أرى بأن الشخص الذي يسمونه نرجسي، هو إنسان عادي، لكن على قدر من الأخلاق السيئة، التي قد تكون نتاج صدمات لطفولة موروثة، أو قلة الفهم، أو محدودية العقل، و قد تكون ناتجة عن الغيرة أو الحسد وغيرهما، التي من الممكن تزيد أو تنقص حسب الشخص، و من الممكن أن يكون الشخص على قدر من النفاق في تعامله مع من حوله.
و من وجهة نظري المتواضعة لم يعجبني وصف “النرجسيين”، و أراه تبديلا للمسميات، و حصر لهذه الصفات السيئة كلها تحت مسمى “الإضطراب النفسي”، بل إنه حتى الإضطراب النفسي في مجتمعنا أصبح “شتيمة”، فتجد أن أي شخص لم تعجبه صفات إنسان أو أخلاقه، يصفه مباشرة بالمضطرب نفسياً! مع أن المريض النفسي الحقيقي، ليس له القدرة على التحكم بمرضه، و لديه حالات ونوبات من الممكن أن ترفع عنه القلم، أنا شخصياً مضطربة نفسياً من الناحية الطبية، أو بالأصح عقلياً، بسبب إختلال كيمياء الدماغ، ولكن كلي ثقة بانني لا أبادر أبداً بأذية إنسان بدون سبب وجيه، و أرى أن من الظلم مساواتي بالشخص السيء.
لذلك فأنا أعتقد أن وصف الشخص الذي يصفونه بالنرجسي بالمضطرب نفسياً فيه ظلم كبير، وخصوصاً لضحاياه الذين يعانون فعلاً من إضطرابات نفسية خطيرة، سواء بسبب سوء التعامل أو بسبب الوراثة أو الظروف و الحوادث التراكمية لديهم و قد يحتاجون للتدخل الطبي، بعلاجات تساعدهم لتحمل تقلبات الناس و الحياة و ما قد ينتج عنها من الهلاوس و الخوف و الرهاب و والإكتئاب و غيره.
أعتقد أن الشخص المسمى بالنرجسي، هو من الناس الذين في قلوبهم مرض، لكن بالمعنى الروحي المذكور في القرآن الكريم، الذي يستحق العقاب إذا لم يتب و يعد إلى صوابه، و في وصفه بالمضطرب نفسياً، نوع من تبرير تصرفاته وأخلاقه السيئة، الموجودة في الظالمين على مر العصور، ومساواته مثلاً بمريض الوسواس القهري، أو ثنائي القطب، أو الفصام وغيرها!
أنا لا أنصح بقطع العلاقات، و لا أن يتم الخضوع لها بالإستسلام التام، لكن علينا تجربة عدم الحكم على الشخص بالعموم، سواء بطريقة تقتل الأمل، أو بطريقة تبرر شيء من الأذى، مثل المرض النفسي أو العقلي الحقيقي، و هنا علينا أن نضع الحدود على قدر الأذية، و السعي للتعلق بالله دون غيره من الناس، وهذه أهم خطوة، مع الحرص على إستخدام الأدوات المتاحة لدينا، و عدم الالتفات للأدوات التي في ظاهرها يبدو أن في إستخدامها انتصاراً ولكنها تؤذينا على المدى الطويل أو في الخفاء، مثل قطع العلاقات بشكل كامل، أو التصرف بسلبية تامة.
من الحكمة أن تعطي عن طيب نفس، و أن لا تنتظر المردود أو الجزاء إلا من الله سبحانه، مع أهمية التدرب على رفض الأشياء التي فوق طاقتك بلباقة و أدب.
• أخصائية تغذية، لاعبة في فريق الشطرنج السعودي



