المقالات

صَفَّقت له انجلترا وخلَّده التاريخ

رغم أن مكتبتي تضم خمسين ألف كتاب هي خلاصة الفكر الإنساني إلا أنني أعود باستمرار للكتاب العظيم (قصة الحضارة) لويل ديورانت فهو أعظم كاتب عرفته الأرض فقصة الحضارة بأجزائها وملحقاتها التي تجاوزت الخمسين جزءًا يجب أن تكون في مدخل كل بيت ليتربى الأجيال على التعامل الواعي مع التارخ والواقع ….
هذه الخاطرة حاصرتني وأنا أقرأ ما كتبه ديورانت في الجزء ٣٥ من كتابه العظيم عن وليم بت هذا الخطيب الذي هز إنجلترا بخطبه البليغة المؤثرة ومنطقه المقنع وفصاحته التي تُلهِب وتُطرِب ….
التحق بجامعة أكسفورد فرأى أن ضررها أكبر من نفعها فهي تُعَوِّد على الإمَّعية فتأفَّف فقد اكتشف سريعا أن الجامعة تحبسه على مقررات لا يريدها بينما اهتمامه التلقائي يدفعه باتجاه آخر ….
وهكذا عزف وليم بت عن الدراسة الجامعية وتفرغ ليبني ذاته بذاته فصار ذلك الخطيب الذي هزَّ إنجلترا وأطربها فتفاعلت خطبه في المجتمع وأثمرت وعيًا كان الناس يفتقرون إليه …..
بمحض جهده في بناء ذاته ولعبقريته ارتقى من شخص فقير من عامة الناس ليكون عضوًا في مجلس العموم ثم وزيرًا للخارجية ثم رئيسًا للحكومة وقد أعطى أروع نموذج للنزاهة والأمانة والإخلاص والوضوح والمواجهة الحادة ……
وصفه ديورانت بأنه أبلغ خطيب عرفه مجلس العموم ليس هذا فقط بل يقول ديورانت: ((لقد أعاد تشكيل أوروبا … وتحقيقا لهذه الأهداف توسل بالمنطق والدراما والخيال والحماسة والشعر والقدح والتهكم والهجاء واستنفار الروح الوطنية واستثارة المصلحة العامة والمجد القومي)) ويضيف ديورانت: ((طوَّر براعته الخطابية حتى استوعبت كل أفانين الخطباء المفوهين فكان بوسعه أن يحطم خصمًا بعبارة واحدة وكانت كل عاطفة تُشَكِّل وجهه الذي يشبه وجه الصقر وتتقد عيناه حتى لينفعل بدنه كله وكأن الكلمة صارت جسدًا لقد كان أعظم ممثل اجتنب خشبة المسرح)) ويضيف ديورانت: ((نجاحه كان نجاحًا لإنجلترا وقد أضفى نجاحه عليه القداسة وطوَّق رأسه بهالة المجد والفخار))
وورَّث هذا المجد لأسرته فهو قد شَغَل منصب رئيس الحكومة ثم صار ابنه أيضا رئيسًا للحكومة لذلك يجري التنويه عند تداول اسم أي منهما أن يقال (بت الأب) أو (بت الكبير) أو (بت الصغير) أو (بت الإبن)
حين أقرأ عن هؤلاء العمالقة الذين بنوا أنفسهم وكونوا قدرات ومهارات وكفايات استثنائية كشخصياتهم الاستثنائية أرثي حال الذين يُمضون سنوات التعلُّم وكأنها معاناة ومع ذلك يفخرون بشهادات هزيلة الدلالة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى