جاء الإسلام برسالة شاملة تهدف إلى إرساء العدل وحفظ كرامة الإنسان، حتى في أشد المواقف مثل الحرب والنزاع. فقد وضع الإسلام ضوابط صارمة للحرب، وقيودًا أخلاقية تُعلي من شأن الرحمة، وتُحافظ على حياة الأبرياء، وتُميز بين المقاتل وغير المقاتل، وتمنع التمثيل بالجثث، وتحرّم الإضرار بالبيئة، أو الاعتداء على البنية التحتية، أو تدمير الممتلكات المدنية. بل إن تعاليم الإسلام حرّمت قتل النساء، والأطفال، وكبار السن، ومن لا يشارك في القتال، كما جاء في وصايا الخلفاء الراشدين لجيوش المسلمين، ومنها وصية الخليفة أبي بكر الصديق. هذه المبادئ النبيلة جسّدت نموذجًا فريدًا من أخلاقيات الحرب، وسبقت في ذلك مواثيق القانون الدولي الإنساني بقرون.
وفي عصرنا الحديث، تواصل المملكة العربية السعودية التزامها بهذه المبادئ الشرعية، وتُجسّدها واقعًا في سياساتها وتحركاتها العسكرية والإنسانية، ملتزمة كذلك بالمعاهدات والمواثيق الدولية التي تحمي حقوق الإنسان أثناء النزاعات. المملكة لم تكن يومًا دولة معتدية، ولا ساعية للتوسع أو فرض الهيمنة، وإنما جاء تدخلها في بعض النزاعات دفاعًا عن أمنها الوطني، أو دعمًا للشرعية الدولية، أو استجابةً لنداء مظلوم.
ففي حرب الخليج الثانية عام 1990-1991، كان تدخل المملكة حاسمًا ضد الغزو العراقي للكويت، الذي شكل اعتداءً صارخًا على سيادة دولة جارة وشقيقة. وقد شاركت السعودية في التحالف الدولي دفاعًا عن الشرعية، وحرصت على أن يكون تدخلها ضمن إطار القوانين الدولية، مع الحفاظ على أرواح المدنيين ومقدرات الدولة المعتدى عليها، وساهمت بعد انتهاء الحرب في جهود إعادة الإعمار وتقديم المساعدات الإنسانية.
وفي الصراع اليمني المستمر منذ عام 2015، جاء تدخل المملكة استجابةً لطلب الحكومة الشرعية بعد انقلاب الميليشيات المسلحة على الدولة، وتهديد أمن البلاد والمنطقة. ورغم تعقيدات المشهد اليمني، حرصت السعودية على الالتزام بالضوابط الشرعية والإنسانية، فوجهت عملياتها نحو الأهداف العسكرية فقط، وتجنبت استهداف المنشآت الحيوية، بما في ذلك الموانئ التجارية، ومحطات الكهرباء، والمستشفيات، والمخازن الغذائية والدوائية، والمدارس، والملاجئ، وحتى المطارات المدنية، وبذلت جهدًا كبيرًا في حماية البنية التحتية اليمنية، وتقليل الأضرار الجانبية قدر الإمكان. كما كانت المملكة من أكبر الدول الداعمة للشعب اليمني، حيث قدمت مساعدات إنسانية ضخمة عبر مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، شملت الغذاء والدواء والخدمات الطبية والتنموية.
ولم تقتصر جهود المملكة على محيطها الإقليمي، بل امتدت إلى شعوب بعيدة متضررة من الحروب، كما في قضية مسلمي البوسنة والهرسك بين عامي 1992 و1995، الذين عانوا ويلات الحرب والتطهير العرقي. فقد لعبت السعودية دورًا محوريًا في دعم الشعب البوسني، سياسيًا وإنسانيًا، ففتحت أبوابها للنازحين، وشاركت في بناء المساجد والمستشفيات والمدارس، وأسهمت في إعادة إعمار ما دمرته الحرب، بما في ذلك المنشآت الخدمية، وقدّمت المساعدات الإغاثية العاجلة، وما زالت تواصل دعمها لهذا البلد حتى اليوم، في تجسيد حي لقيم الإسلام في نصرة المظلوم وإغاثة المنكوب.
كما دعمت المملكة شعوبًا كثيرة متضررة من النزاعات، من فلسطين منذ نكبة 1948 وما تلاها من حروب متكررة، إلى السودان في أزماته الممتدة منذ ثمانينيات القرن الماضي وحتى النزاع المسلح في 2023، ومن سوريا منذ عام 2011، إلى أفغانستان في فترات حروبها الممتدة من 1979 حتى انسحاب القوات الغربية في 2021، مقدّمة المساعدات الغذائية والطبية، ومشغّلة المستشفيات الميدانية، ومنشئة الممرات الإنسانية، وذلك دون تمييز في العرق أو اللغة أو الجنس أو المذهب، انطلاقًا من إيمانها بأن الكرامة الإنسانية لا تتجزأ، وأن الواجب الأخلاقي يتجاوز الجغرافيا والحدود.
وهنا تبرز المقارنة جلية بين التزام المملكة الصارم بعدم المساس بالبنية التحتية الحيوية في مناطق النزاع، وبين ما نشهده في مناطق أخرى من تدمير متعمد للموانئ التجارية، ومحطات الكهرباء، والمستشفيات، ومخازن الأغذية والأدوية، والمدارس، والملاجئ، بل والمطارات المدنية، ووصول الأمر إلى الحرق والقتل العمد للمدنيين، في انتهاك فج لكل القوانين والمواثيق، وتحدٍّ صارخ للقيم الإنسانية.
وفي كل تحرك عسكري أو سياسي، تثبت المملكة العربية السعودية أنها دولة تحكمها القيم، ويضبط قراراتها ميزان العقل والشرع. فهي لا ترى في الحرب إلا وسيلة اضطرارية، لا تُستخدم إلا عند الضرورة القصوى، وتُمارَس بأقصى درجات الانضباط والالتزام. فهي حين تحمل السيف، تفعل ذلك دفاعًا لا عدوانًا، وحين تملك القوة، تسير بها بحكمة، لا بغطرسة.
وهكذا تقدم المملكة العربية السعودية نموذجًا متفردًا في التعامل مع قضايا الحرب والسلم، يجمع بين مبادئ الإسلام السامية والتشريعات الدولية الحديثة، ويُبرز صورتها كدولة لا تسعى للتدمير، بل للبناء، ولا تغريها القوة، بل تلجمها القيم، وتغيث المنكوب، وتحفظ الحق، وتُعلي من كرامة الإنسان في كل زمان ومكان.