المقالات

موسم الحج وخدمة ضيوف الرحمن تكامل حضاري وتخطيط متميز

حين تجتمع فريضة الحج، باعتبارها الركن الخامس من أركان الإسلام، مع تخطيط استراتيجي ورؤية وطنية طموحة، تتولد تجربة حضارية تُدهش العالم.

المشاعر المقدسة لم تعد مجرد مواقع دينية، بل باتت منصات متكاملة تستقبل ملايين الحجاج، وتُجسد التحول النوعي في خدمة ضيوف الرحمن، وهي خدمة أصبحت عنوانًا للتميّز والإبداع في الإدارة، والاقتصاد، والتنمية المستدامة.

في المؤتمر الصحفي الحكومي الذي عُقد في 26 مايو 2025، بمشاركة وزراء: الحج والعمرة، النقل والخدمات اللوجستية، الصحة، والإعلام، بدت المملكة مستعدة لموسم الحج بوصفه مشروعًا عالميًا، روحيًا وإنسانيًا واقتصاديًا.

وزير الحج والعمرة، الدكتور توفيق الربيعة، أشار إلى وصول أكثر من 1.07 مليون حاج حتى لحظة المؤتمر، مؤكدًا أن المملكة استثمرت في التقنية والتحول الرقمي لتيسير أداء فريضة الحج. وقد أُطلقت بطاقة “نسك” الذكية لأكثر من 1.4 مليون حاج، متضمنة بياناتهم، لتسهيل تحركاتهم في المشاعر المقدسة، مع تقديم أكثر من 100 خدمة عبر التطبيق الذكي.

رؤية السعودية 2030 رسمت هدفًا طموحًا برفع الطاقة الاستيعابية إلى 30 مليون حاج ومعتمر سنويًا، والموسم الحالي يُمثّل خطوة عملية على هذا الطريق.

وزير النقل أوضح أن قطار المشاعر – الذي يخدم الحجاج بين منى وعرفة ومزدلفة – ينقل 72 ألف حاج في الساعة، في حين وفرت قطارات الحرمين أكثر من مليوني مقعد.

كما أُدخلت تقنيات جديدة مثل الطرق المبردة التي تُخفف حرارة الأرض بـ12 درجة مئوية، والدرونزلمراقبة الطرق، وكلها تخدم راحة الحجاج وسلامتهم.

لا يمكن الحديث عن الركن الخامس دون التأكيد على الأمن الصحي.

وزير الصحة أعلن عن تقديم أكثر من 50 ألف خدمة صحية عبر 14 منفذًا حدوديًا، مع جاهزية 900 سيارة إسعاف، و11 طائرة إخلاء طبي، ورفع الطاقة السريرية بنسبة 60% مقارنة بالعام الماضي.

والأهم، أنه لم تُسجل أي حالات وبائية بين ضيوف الرحمن، في إنجاز يُحسب للمنظومة الصحية السعودية، خاصة مع أداء أكثر من 140 عملية جراحية دقيقة، و65 قسطرة قلبية في المشاعر.

على الصعيد الإعلامي، أكدت وزارة الإعلام إيصال الرسائل التوعوية بـ50 لغة، وتوفير آلاف نقاط الواي فاي المجانية، وتوظيف الذكاء الاصطناعي في إدارة الحشود، ما جعل تجربة الحج أكثر أمانًا وراحة، وقرّب الصورة الذهنية لما تحققه المملكة من نهضة شاملة في كل قطاع.

ومن أبهى صور الضيافة، يبرز برنامج ضيوف خادم الحرمين الشريفين للحج والعمرة، الذي يُعد لفتة كريمة من القيادة الرشيدة، ويعكس مكانة المملكة الدينية والإنسانية.

وقد استضاف البرنامج هذا العام أكثر من 3,300 حاج وحاجة من 88 دولة حول العالم، من بينهم ذوو شهداء ومصابون، وشخصيات إسلامية بارزة، في إطار رسالة المملكة في تعزيز أواصر الأخوة الإسلامية، وتقديم نموذج يُحتذى في كرم الوفادة وحُسن الاستقبال.

وفي إطار تعزيز التنظيم وضمان سلامة الحجاج، أطلقت المملكة حملة “لا حج بلا تصريح”، التي تهدف إلى التأكيد على ضرورة الحصول على تصريح رسمي لأداء الحج، سواء لحجاج الداخل أو عبر تأشيرات نظامية لحجاج الخارج.

وقد تم تطبيق غرامة مالية تصل إلى 20 ألف ريال سعودي على من يُضبط محاولًا أداء الحج دون تصريح، خلال الفترة من 29 أبريل وحتى 10 يونيو 2025.

كما استُخدمت الطائرات دون طيار لتعقب وضبط المخالفين، ضمن جهود الحفاظ على أمن الحشود وسلامة الجميع.

وفي مجال إدارة المخاطر والأزمات، وضعت المملكة معيارًا جديدًا للأمن الصحي والسلامة خلال موسم حج 2025، من خلال تطبيق تدابير وقائية متقدمة، وأنظمة مراقبة ذكية، وفرق استجابة منسقة، لضمان سلامة ملايين الحجاج ومنع تفشي الأمراض أو الأزمات.

شملت الإجراءات حملات تطعيم وفحوصات طبية شاملة، وتثقيف الحجاج حول النظافة والوقاية من ضربات الشمس، والاحتياطات من الأمراض التنفسية، ضمن منظومة متكاملة ترفع كفاءة الاستعداد والتأهب.

ووفق تقرير رؤية السعودية 2030 الصادر أواخر 2024، فإن اقتصاد الحج والعمرة يُعد من أذرع التنويع الاقتصادي الواعدة. ويُتوقع أن تصل مساهمته في الناتج المحلي إلى 150 مليار ريال سنويًابحلول 2030.

وقد أسهم موسم هذا العام في دعم آلاف المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتحريك قطاعات الخدمات، والنقل، والإيواء، والتغذية، بما يعود بالنفع على الوطن والمواطن.

لقد أصبحت فريضة الحج اليوم، ليست فقط رحلة روحانية، بل تجربة حضارية تُدار بأعلى المعايير العالمية، تُجسد التزام المملكة الراسخ بخدمة ضيوف الرحمن، وبناء منظومة تنموية تعزز الهوية الإسلامية، وتُسهم في اقتصاد مزدهر ومجتمع حيوي، في انسجام تام مع أهداف رؤية السعودية 2030.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى