تحوّل مجال الإعلام من أجير للدول إلى شريك لها، نتيجة لتكامله بين الجانبين الأكاديمي والمهني، مما جعله من الركائز الأساسية في تشكيل المجتمعات الحديثة. فبالإضافة إلى قيامه بخدمة مختلف جوانب الحياة، يعمل الإعلام في جانبه الأكاديمي على تكوين الوعي النقدي، وتنمية مهارات التفكير النقدي والتحليلي للرسائل الإعلامية، وإعداد الكوادر المتخصصة للمؤسسات الأكاديمية بأعداد كبيرة من المحررين والمذيعين وخبراء الإعلام، إلى جانب إنجاز البحوث العلمية لتطوير المهنة وتحسين جودة المحتوى الإعلامي وقياس تأثيره على المجتمع، بما يعزز المسؤولية الإعلامية، ويُعمق أخلاقيات الإعلام لتنعكس على الممارسة بمهنية وموضوعية.
أما في الجانب المهني، فيُسهم الإعلام في نقل المعلومات والأخبار، وتشكيل الرأي العام، والمراقبة والمساءلة، والتركيز على قضايا الفساد والتقصير، وتعزيز الشفافية، ودعم التنمية المجتمعية، والترويج للتنوع الثقافي، ودعم الحوار بين فئات المجتمع المختلفة. ويأتي ذلك في إطار دعم التكامل بين الجانبين لصناعة إعلام مؤثر وواعٍ وفاعل في دعم التنمية، وحماية القيم، وتعزيز التواصل المجتمعي.
ومن هذا المنطلق، تأتي المؤتمرات الإعلامية في المملكة لمواكبة تطورات الإعلام بجانبيه الأكاديمي والمهني. فعلى الصعيد الأكاديمي، تسعى الجامعات إلى تحديث المناهج وربطها بالتحولات الحديثة في الإعلام الرقمي، والذكاء الاصطناعي، وصناعة المحتوى، مما يدفع لتطوير البرامج الدراسية، وتشجيع البحوث التطبيقية، وبناء شبكات تعاون علمي، بفضل ما تمهده هذه المؤتمرات من منصات لتبادل الخبرات بين الباحثين والأكاديميين.
وعلى الصعيد المهني، تعمل المؤتمرات على رفع كفاءة الكوادر الإعلامية عبر تطوير مهارات الممارسين تقنيًا ومهنيًا، كصحافة البيانات، والإعلام التفاعلي، وإدارة الأزمات الإعلامية. كما تسهم في مواءمة العمل الإعلامي مع تطلعات المملكة ورؤية 2030، بإعلام وطني قادر على المنافسة العالمية، واستكشاف الاتجاهات الدولية لنقل الخبرات وتكييف المؤسسات الإعلامية مع التغيرات المتسارعة.
لذا، تُعد المؤتمرات الإعلامية أداة استراتيجية لتعزيز التكامل بين النظرية والتطبيق في الإعلام السعودي، وبناء بيئة إعلامية حديثة قادرة على التأثير إقليميًا وعالميًا، وهذا ما يميز المملكة في المجال الإعلامي على مستوى الخليج والعالم العربي.
فأكاديميًا، تتميز المملكة بالاستثمار في التعليم الإعلامي، من خلال برامج البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في أعرق جامعاتها، مثل جامعة الملك سعود وجامعة الإمام تقدم دكتوراه، وجامعة الملك عبد العزيز تقدم ما جستير، وتحديث المناهج باستمرار لمواكبة التحولات الرقمية، إلى جانب دعم البحوث، والابتعاث، والتدريب الدولي.
ومهنيًا، يُبرز الإعلام السعودي تميزه في التحول الرقمي وتعدد المنصات التقليدية والجديدة، ويُترجم ذلك ضمن رؤية 2030 التي تضع الإعلام ضمن أدوات القوة الناعمة، وتدعمه عبر إنشاء هيئات كـ”هيئة الإعلام المرئي والمسموع” وغيرها من المؤسسات الرسمية.
ويُنتظر للإعلام السعودي مستقبل واعد، في ظل التركيز على الإعلام الرقمي والبيانات، وظهور تخصصات جديدة مثل صحافة الحلول، والإعلام البيئي، والصحي، والرياضي، وإعلام الذكاء الاصطناعي، مع التكامل التقني، واستضافة الخبراء، وإطلاق المبادرات والشركات الإعلامية.
لذا، فإن مختلف المؤتمرات الإعلامية التي شهدتها المملكة، وآخرها مؤتمر الاتصال الرقمي بجامعة الملك عبدالعزيز، أسهمت بوضوح في رسم ملامح المشهد الإعلامي السعودي الحديث.
• عضو هيئة تدريس سابق بقسم الإعلام – جامعة أم القرى
• مقيم في الولايات المتحدة الأمريكي