المقالات

حراك الـ48 ساعة ينزع فتيل الحرب بين الهند وباكستان… دبلوماسية السلام السعودية .. الحفاظ على شراكة الأشقاء والأصدقاء

استخدمت السعودية خلال الـ48 ساعة الماضية أعلى وأرقى مستويات دبلوماسيتها الهادئة والمتوازنة، محافظةً على شراكتها الاستراتيجية مع الأصدقاء والأشقاء؛ حيث تعاملت مع ملف التصعيد العسكري بين الهند وباكستان، الذي وصل إلى مستوى الحرب الشاملة، بمنهجية وفكر جيو-استراتيجي وسياسي متوازن، رفيع ورصين، واضعة في اعتبارها علاقاتها الاستراتيجية ومصالحها السياسية والأمنية مع باكستان كدولة مسلمة تربطها علاقة وطيدة مع شعبها المسلم، فضلًا عن القواسم الإسلامية المشتركة من جهة، وشراكتها الاقتصادية والنفطية والاستثمارية طويلة المدى مع الهند من جهة أخرى.

وعززت الرياض مستويات المسؤولية السياسية والاستراتيجية المتوازنة تجاه الموقف المتأزم في شبه القارة الهندية، خاصة بعد إعلان باكستان إطلاق عملية “البنيان المرصوص” العسكرية ضد الهند، وضرب نيودلهي القواعد العسكرية الرئيسية في روالبندي، العاصمة العسكرية لباكستان، بالصواريخ.

ودخلت الرياض على خط الأزمة الحربية المتصاعدة بشكل عاجل وهادئ وسريع، متسلّحة بعلاقاتها الاستراتيجية المتوازنة مع كل من إسلام آباد ونيودلهي، واضعةً في الاعتبار التهدئة وفتح قنوات الحوار ومنع اتساع دائرة الصراع، خصوصًا بعد تصاعد الحرب وبدء استخدام البلدين الصواريخ لضرب القواعد العسكرية في العمق وضرب المدن الرئيسية. كما حرصت الرياض على تعزيز سياستها الخارجية القائمة على منع النزاعات، ودعم الاستقرار الإقليمي في شبه القارة الهندية والعالم.

وقادت السعودية، التي تربطها علاقات استراتيجية قوية مع باكستان، إلى جانب شراكات وعلاقات متقدمة مع الهند، مسارًا سياسيًا متزنًا للغاية، من خلال الاستماع لوجهات نظر الطرفين بعناية فائقة وشفافية، كونها تحظى بثقتهما لما لها من رصيد سياسي واستراتيجي رصين لدى قيادتي البلدين. ما أتاح لها لعب دور الوسيط المحايد والهادئ والنزيه في ذروة الأزمة الحربية، مستثمرةً رصيدها السياسي العميق، والاحترام والثقة التي تحظى بها من العاصمتين في حث الطرفين على تغليب صوت العقل، وتحكيم الحوار على منطق القوة العسكرية، والدخول في وساطة استراتيجية شفافة، حيث أقنعت قيادتي البلدين بفتح قنوات التواصل العسكري والدبلوماسي، وإعلان وقف إطلاق نار عاجل لمنع توسيع رقعة الحرب، ومناقشة الملفات الساخنة العاجلة والوصول إلى قواسم وتفاهمات مشتركة تساهم في إعادة بناء الثقة العسكرية بين الطرفين.

وتنبّه صناع القرار في السعودية إلى أن فشل أي وساطة في هذه المرحلة الحساسة، التي بلغت فيها العمليات الحربية ذروتها؛ يعني دخول البلدين في حرب شاملة يصعب وقفها، خصوصًا في ظل ما تداولته معلومات استخباراتية أمريكية موثوقة بأن باكستان قررت استخدام صواريخها الباليستية المتوسطة والطويلة المدى ضد منشآت اقتصادية ونفطية وعسكرية في المدن الهندية الرئيسية، بعد استهداف نيودلهي لأكبر قاعدة عسكرية جوية في روالبندي بالصواريخ، والذي أعقبه إعلان باكستان عملية عسكرية شاملة بعنوان “البنيان المرصوص”.

ونقلت قناة CNN عن مصادر رفيعة أن نائب الرئيس الأميركي، فانس، اتصل هاتفيًا برئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، وأبلغه معلومات استخباراتية تفيد بجاهزية باكستان لضرب منشآت اقتصادية وعسكرية هندية حساسة تقع ضمن نطاق ومدى صواريخها.

وأقنع نائب الرئيس الأمريكي مودي بضرورة قبول وقف إطلاق النار قبل فوات الأوان، فيما تحركت السعودية وسخّرت دبلوماسيتها لصناعة السلام ومنع الحروب، وتجاوبت باكستان بمسؤولية كاملة مع الحراك السعودي، وقبلت بوقف إطلاق النار، لإدراك مراكز صناعة القرار السعودي بأن استمرار الحرب بين الهند وباكستان لمدة 48 ساعة إضافية يعني حتمية دخول البلدين في حرب شاملة.

وبذلت الرياض دورًا سياسيًا مضاعفًا من خلال رحلات المبعوث السعودي عادل الجبير المكوكية إلى نيودلهي وإسلام آباد، لتهيئة الأرضية لإعلان وقف إطلاق النار، الذي أعلنه الرئيس ترامب رسميًا. واستثمرت الرياض رصيدها السياسي الإيجابي الذي تحظى به لدى طرفي النزاع، اللذين يعدان صديقين للمملكة وتربط شعبيهما علاقات تاريخية واقتصادية وثقافية متميزة.

نعم، لقد نجح الحراك الهادئ السعودي باقتدار، بعيدًا عن الأضواء الإعلامية، في إبعاد شبح الحرب عن المنطقة وحقن دماء الشعبين. ومنذ اللحظة الأولى لاندلاع العمليات العسكرية، دعمت الرياض حل الخلافات بين نيودلهي وإسلام آباد بالحوار والسبل السلمية، انطلاقًا من مبادئ حسن الجوار، بما يحقق السلام والازدهار للبلدين ولشعبيهما، ورحبت الرياض فورًا بوقف إطلاق النار بين باكستان والهند، معبرةً عن تفاؤلها بأن “يفضي هذا الاتفاق إلى استعادة الأمن والسلم في المنطقة”.

وفي خضم تجاذبات عالمية، نجحت المملكة في تعظيم دبلوماسية السلام، ومارست الرياض دورها الريادي بالعقلانية السياسية، حفاظًا على مصالحها في منطقة جنوب آسيا، ودعمًا للاستقرار والسلم العالمي.

• محلل مختص بشؤون جنوب آسيا

فهيم الحامد

كاتب سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى