في خضم تصاعد الحرب بين إيران وإسرائيل، برزت المملكة العربية السعودية بدورها الإنساني الثابت ، مستندة إلى قيمها الدينية ومسؤولياتها التاريخية الإنسانية، مؤكدة مرة أخرى أن أزمات المنطقة، مهما بلغت تعقيداتها، لا تُسقط الواجب الأخلاقي والإنساني تجاه الشعوب، لا سيما ضيوف الرحمن . وفور اندلاع شرارة الحرب أتخذت السعودية إجراءات فورية تضمن سلامة الحجاج الإيرانيين الموجودين على أراضيها ، ووجّهت وزارة الحج والعمرة بتوفير كافة التسهيلات والخدمات والرعاية اللازمة، حتى تتيسر عودتهم إلى وطنهم بسلام، في موقف إنساني يعكس أعلى درجات النبل السياسي والديني والاخلاقي .
ولا تقف هذه المبادرة عند بعدها الإنساني فحسب، بل تشكّل رسالة سياسية واضحة: أن المملكة تعطى اولوية قصوى للدبلوماسية الإنسانية ؛ وفي الحسابات السعودية فإن الانسان هو أولا واخيرا .. وهذا التحرك السعودي الانساني جاء في وقت بالغ الحساسية، ويعبّر عن دبلوماسية انسانية ناعمة تدرك أن حماية الحجاج الإيرانيين التي تقطعت بهم الطرق ،تمثل جزءًا من مسؤوليتها الدولية والأخلاقية، كما أنها أداة لتأكيد أن الانسان هو الاساس في العقيدة السعودية الاسلامية ،فضلا عن تعزيز لغة الحوار، والاحترام المتبادل، وان المحور الإنساني يجب ان يتصدر في زمن الحرب. وفي لحظة إقليمية مشحونة بالصراع والتصعيد العسكري، تُعيد السعودية ترسيخ مكانتها بوصفها دولة محورية تتقدّم بلغة الإنسانية، حيث تُغلب مصالح الإنسان على منطق المواجهة والقوة . وقد تجلى هذا بوضوح في تعاملها الانساني مع ملف الحجاج الإيرانيين خلال الأزمة المتصاعدة بين طهران وتل أبيب.ورغم حساسية الظرف الإقليمي، اختارت الرياض أن تتعامل بالاخلاق النبيلة والواجبات الاسلامية مؤكدة أن خدمة الحجاج، أياً كانت جنسياتهم ، تظل أولوية لا تقبل التأجيل ومن هتا جاءت توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، بناء على ماعرضه سمو ولي العهد لتقديم الرعاية الكاملة والتسهيلات اللازمة للحجاج الإيرانيين، وضمان أمنهم وسلامتهم إلى حين عودتهم لبلادهم سالمين.
هذا الموقف السعودي يُعبّر عن “قوة انسانية ناعمة” تتسم بالثبات والاتزان، وتجعل من السعودية نموذجًا فريدًا في الجمع بين المسؤولية الدينية والإنسانية والدبلوماسية الفاعلة. فبينما تحشد القوى الاسرائيلية أدواتها في ساحات الصراعات والحروب ، تستثمر المملكة ثقلها في حفظ الكرامة الإنسانية، وترسيخ مبدأ أن المحور الانساني لا بخضغ للمزايدات وأن منطق استخدام القوة مرفوض .
وقد اكتسبت هذه الخطوة أهمية إضافية كونها جاءت في توقيت حساس، ترافَق مع ارتفاع حدة المواجهة بين إيران وإسرائيل، وانشغال الأطراف الدولية بمعارك النفوذ والمصالح ، مما جعل الصوت السعودي صوت العقل الذي دعا لوقف التصعيد وتغليب الحوار ورفض مطلق لإستخدام اسرائيل منطق القوة .
إن تأمين مصالح الحجاج الإيرانيين، رغم تعقيدات المشهد، ليس مجرد موقف أخلاقي انساني ، بل استراتيجية سعودية متجذّرة توازن بين القيم والمصالح، وتعزز صورة المملكة كحاضنة للمقدسات، وضامنة لأمن الحجيج ومعززة للفعل الانساني بعيدا عن الحسابات السياسية الضيقة.
إن الموقف السعودي سواء الانساني او السياسي من الاحداث الراهنة يعكس رؤية استراتيجية متكاملة نوعية، تضع في مقدمة أولوياتها استقرار المنطقة وأمن شعوبها، بعيدًا عن منطق الحرب تستخدمه اسرائيل والذي يعمّق الأزمات ويهدد مستقبل الأجيال. فالدبلوماسية السعودية، عبر حرصها على حماية الحجاج الإيرانيين وتسهيل حركتهم، تُرسل رسالة واضحة بأن الحلول السياسية والحوار البناء هما الطريق الأمثل لتجاوز الصراعات، وأن القوة الحقيقية تكمن في حماية الإنسان واحترام السيادة، لا في النزاعات التي تزيد من تعقيد المشهد الإقليمي. بهذا، تؤكد السعودية دورها كصوت للعقل والسلام في منطقة تحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى حكمة القيادة وروح التسامح والحفاظ على الانسان كونه ثروة الامة وذخيرته ومكسبه الحقيقي .
# محلل استراتيجي

0