ماتتميز به الدبلوماسية السعودية في زمن الحروب والصراعات والنزاعات ،هو “اتساق المبدأ وثباته واتزان الأداء ومقارباته وتعظيم المصالح ومعززاته وتعضيد مقومات الأمن وسلامته وتعزيز السيادة ومقوماتها، فضلا عن رفض المساس بالحدود أو استغلال موقعها الجغرافي ومنع استخدام لأجوائها في أي عمليات عسكرية .
والتأكيد على أن سيادتها وأمنها واستقرارها غير قابلين للمساومة وخط أحمر لايمكن تجاوزه .
الموقف السعودي ليس وليد اللحظة، بل هو امتداد لسياسة استراتيجية ثابتة من تأسيسها قوامه رفض التدخلات والحوار والتهدئة ،ورفض الانجرار خلف منطق السلاح والعسكرة والهيجان السياسي والهدوء والرصانة والعقلانية السياسية .. وها هي السعودية اليوم تكرّس من جديد مع دخول الحرب الايرانية الاسرائيلية يومها السابع نهجها في تغليب صوت الحكمة والحنكة مع الشجب والاستنكار الشديد لاستخدام اسرائيل القوة العسكرية ضد ايران كون ذلك يتعارض مع الاعراف والقرارات الدولية .
وليس هناك رأييان أن السعودية تدرك أن الحرب وإستخدام القوة العسكرية لم تعد أداة لحسم الصراعات والازمات بل تؤدي لتغذيتها وتوسيع دائرتها والانزلاق نحو الحرب الشاملة، واضعة في اعتبارها أن تعزيز الأمن الإقليمي يتطلب عقلانية عالية ووضع المصالح الاستراتيجية الامنية العليا للمنطقة والاقليم فوق اعتبار.
ولا يمكن الارتهان أو الرهان على التحالفات العسكرية على حساب أمن الاقليم ولهذا رفضت السعودية فتح أجوائها للاستخدامات العسكرية ، وهو حق سيادي لدولة تمسك قرارها بيدها ، وتدير أدوارها الإقليمية من موقع الثقل لا التبعية او المحورية،بل الاستقلالية الكاملة في القرار وحماية الأمن الوطني والسعي لمنع انفجار الإقليم، مؤكدة على الدوام أن دبلوماسية السيادة والعقل هما صنوان ، وسط ضجيج الحرب وأزيز الطائرات والصورايخ.
وعبّر موقف السعودية الذي يعد ثابتا ومن قديم الزمن وتجدد في زمن الحرب الراهنة بعدم سماحها باستخدام أجوائها عن دور متوازن وحازم في آنٍ معًا، يؤكد بشكل جلي على ثوابت السياسة السعودية القائمة على حماية السيادة،ورفض استخدام القوة العسكرية الاسرائيلية ضد ايران ؛ دون التفريط بأمنها الوطني وسيادتها أو الاستقرار الإقليمي ويعزز هذا الموقف من قوة السعودية إقليميا ودوليا كدولة تحترم القانون الدولي، وتسعى لحماية المنطقة من التورط في حروب شاملة كبرى وهو ما يتماشى مع توجهات الدولة في تحصين الجبهة الداخلية ضد أي انعكاسات إقليمية مفاجئة وهو حتما موقف يُحسب للسعودية في وقت تعصف فيه الحروب و التوترات بالمنطقة .
إنها دبلوماسية القوة والسيادة والعقل التي تمضي بخطى ثابتة نحو الاستقرار الإقليمي كخيار استراتيجي وامتدادًا لمسار دبلوماسي راسخ انتهجته السعودية في ملفات إقليمية ودولية سابقة، يؤكد التزامها بالحلول السلمية والحوار لا الصدام و السيادة الوطنية الصارمة، والدور الإقليمي العقلاني.
و في لحظة شديدة التعقيد تتحرك السعودية بهدوء دبلوماسيًا لتجنب انزلاق المنطقة إلى مواجهة مفتوحة يدفع الجميع ثمنها .ورسالة السعودية في زمن الحرب واضحة وجلية تحمل تأكيدًا قويًا على السيادة والقوة ورفض استخدام القوة العسكرية ضد ايران ، إذ تُظهر المملكة أنها ليست ساحة مفتوحة لأي أجندة دولية أو إقليمية، بل دولة ذات قرار مستقل، تُدير مصالحها من منطلق استراتيجي يوازن بين أمنها الداخلي ودورها الإقليمي ، وهو جزء من فلسفة الحوكمة العقلانية التي تتبناها، والتي تضع الأمن الوطني فوق كل اعتبار وتسعى لتكون ركيزة للاستقرار، وصوتًا للحكمة، في زمن يتسم بتعدد الأصوات والانفعالات ولديها قناعة بأن أي صراع عسكري في المنطقة من شأنه تغذية التطرف العنيف والتي سيُدفع بها لتكون بيادق في مثل هذه المعركة الخاسرة، ولهذا هي ترفض إعادة المنطقة إلى الوراء أو أي محاولات لإعاقة تنمية وتطوير بلدانها ورفاهية شعوبها .. إنها دبلوماسية السيادة .. الثبات في زمن الحرب والحوكمة السياسية العقلانية .. لن نكون بيادق المعركة..
# محلل استراتيجي .