المقالات

الدبلوماسية الهادئة في زمن الحرب..استدامة رجاحة العقل …”الرُصاص ّ”..عدو للسلام

في زمن الحرب لاحديث ولا صوت يعلو غير صوت القنابل والقتل والتفجير والتدمير والصواريخ والمضادات وازيز الطائرات .
في زمن الحرب لاتوجد أي معادلات أو حسابات إلا معادلات القوة والنار والدمار .وفي خضم هذه الظروف الصعبة حددت المملكة العربية السعودية مسارها السياسي والإنساني وخارطة طريقها للتعامل مع الحرب الإيرانية الاسرائيلية ،ورفضت بشكل قاطع استخدام اسرائيل للقوة العسكرية ضد ايران وحثت على التهدئة والحوار، والدبلوماسية الهادئة وأتخذت موقفا محوريا ثابتا مفاده أن المنطقة لا تحتمل مزيدًا من الحروب، وأن استمرارها سيؤدي حتما لتمددها واتساع رقعتها والانزلاق نحو الحرب الشاملة خصوصا أن لغة القوة لم ولن تصنع حلولًا دائمة، بل مزيدًا من الفوضى والدمار .
ومنذ اللحظة الأولى لتفجر الحرب، تحرّكت السعودية مستثمرة علاقاتها الدولية السياسية ومجلس الأمن، وتواصلت مع العواصم المؤثرة في القرار الدولي من واشنطن إلى موسكو وبكين ولندن الى باريس مرورًا بالاتحاد الأوروبي ،حاملةً موقفًا واضحًا مبني على رفض استخدام القوة وفتح المجال أمام الحوار وضبط النفس والتهدئة والارتكاز على مبدأ الالتزام بأمن واستقرار المنطقة فضلا عن وجود قناعة تامة إن استخدام القوة الاسرائيلية مرفوض تماما ؛ وأن الانفجار العسكري في المنطقة لن يخدم أي طرف،بل سيكون وبالا على الجميع وسيؤدي إلى نتائج كارثية على مستوى الاقتصاد العالمي واسواق النفط والطاقة ، وأمن الملاحة.
وهذه الدبلوماسية السعودية الهادئة ،تعكس قدرة عالية في الحفاظ على المواقف الثابتة في لحظة إقليمية حساسة وليست خطيرة فحسب بل الاخطر في تاريخ المنطقة. فالسعودية بثقلها السياسي والديني والاقتصادي، تمتلك أدوات تأثير حقيقية لا تقوم على الانفعال بل على العقلانية والحكمة ،فالاتصالات المُكثّفة التي أجراها سمو ولي العهد مع قادة الدول العالمية تأتي ضمن جهود المملكة الرامية لخفض التصعيد والتوترات وحشد وتوحيد كافة الجهود لمنع تفاقم التصعيد والحفاظ على الأمن والسلم الإقليمي وتبني نهج الحلول السلمية الدبلوماسية وتلافي التصعيد والصراعات وتوفير الظروف الملائمة لتحقيق الأمن والاستقرار في العالم.
في زمن الحرب، حيث تعلو أصوات المدافع والرشاشات ورشقات الصواريخ ،تظل هناك حاجة ماسّة لرجاحة العقل والحكمة .والسعودية بدبلوماسيتها الهادئة، تقدّم نموذجًا للدولة التي تعرف كيف تتحرك ، وتتصرف،وأين تضع مصالح شعوب المنطقة وامنها قبل الحسابات الآنية. إنها ليست فقط صمام أمان عربي و إقليمي وعالمي فحسب ،بل تسعى لتفكيك الأزمات لا تأجيجها، وتحقيق الأمن لا الهيمنة ورفض قطعي لاستخدام القوة .ولهذا استشعرت مبكرًا خطورة اتساع رقعة الحرب وكثفت اتصالاتها الإقليمية والدولية، ورفعت الصوت في وجه الاعتداءات الإسرائيلية واستنكرت بشدة العدوان على ايران مؤكدة في الوقت ذاته أن الحل السياسي لا يأتي عبر القصف، بل من خلال التفاهم والحوار.
هذا الموقف يعكس قوة التأثير السعودي والحث على ضبط النفس والحوار و تبني الحضور الدبلوماسي الهادئ الذي يصوغ القرارات دون ضجيج.
لقد أكدت السعودية عبر هذا النهج، أنها دولة مؤسسات تمتلك رؤية استراتيجية عالمية ولا تتأثر بردود الفعل والفعل ،بل تستند إلى لمواقف تحافظ على المصالح الوطنية والإقليمية والامن والاستقرار في آنٍ واحد. فالدبلوماسية السعودية اليوم لا تُدار من منطلق الشعارات او المفاجآت او اللحظات بل من خلال حراك هادئ مع اتقان فن التأثير في زمن الحرب . والتحركات التي قادتها الرياض سواء عبر اتصالاتها بالأمم المتحدة أو تنسيقها مع الأطراف والقوى الدولية المؤثرة تهدف لوقف الحرب وفتح نافذة للحلول السياسية، في لحظة أصبحت فيها المنطقة أقرب إلى هاوية الانفجار الشامل. والسعودية بحق الدول في حماية أمنها، وتدرك أن السلام المستدام لا يمكن أن يُفرض بالقوة العسكرية ،بل يُبنى على تفاهمات شاملة والحفاظ على الثوابت وتعزيز الامن والاستقرار وليس في هدمه ..ومن هنا يمكن فهم الدبلوماسية الهادئة السعودية في زمن الحرب كونها تعبير عن نضج سياسي وحنكة دبلوماسية، تسعى لاستخدام أدوات التأثير في كل الاتجاهات .
إن ما تقوم به المملكة اليوم هو دفاع عن مستقبل المنطقة واستقرارها ،لا عن موقف آنٍ أو مكسب سياسي محدود. وفي وقت تتسارع فيه وتيرة المواجهات، تتحرك الرياض بثبات، لتعطي أولوية للسلام والهدوء وضبط النفس ووقف استخدام القوة العسكرية الاسرائيلية ضد ايران وهي تؤكد مرارا أن الشرق الأوسط لا يحتاج مزيدًا من الدمار والقتل والصواريخ ،بل يحتاج لحكم رشيد قادر على نزع فتيل الأزمات ووقف الحروب .وفي هذا المشهد الحربي المعقد، تظل السعودية صوت العقل والاتزان نحو حلول واقعية تحفظ الأرواح وتجنّب الشعوب كلفة الحرب والدمار .
فيما تأخذ الحرب بين إيران وإسرائيل أبعادا أكثر خطورة يوما بعد يوم، ماينذر بتدحرجها نحو حرب شاملة تسعى المملكة جاهدة لتهدئة التوتر والحيلولة دون اتساع رقعة اللهب فيما تسعى إسرائيل من خلال التصعيد الحربي ضد إلى تحقيق أهداف متعددة المستويات منها رسم قواعد الاشتباك مع إيران وترسيخ موقعها كقطب أمني عسكري منفرد في المنطقة فضلا عن تحويل الأزمات الداخلية التي تعاني منها إلى فرص للتماسك الوطني .
وبين البحث عن الحقيقة وسط ركام الحرب، تتابع الاوساط العربية والاسلامية عن كثب التحرك الدبلوماسي السعودي الهادئ والنشط في المحافل الإقليمية والدولية للتهدئة ،كونه يتمتع بالمصداقية لدى طهران والغرب للحيلولة دون الانجرار نحو الحرب الشاملة في المنطقة والتي ستكون مضرة للأمن القومي العربي كون المرحلة تحتاج إلى وحدة الموقف وتغليب لغة الحوار خصوصا إن المنطقة تواجه اختباراً صعباً في لحظة إقليمية حرجة جدا ،فالتصعيد الحربي الإسرائيلي الإيراني المفتوح كارثي على المنطقة، والخيارات ما زالت مفتوحة لتفادي الأسوأ، شريطة استخدام الادوات السياسية والدبلوماسية بحكمة وهدوء .. خصوصا ان الحرب بين إسرائيل وإيران اخذت أبعادًا تتجاوز حدود المواجهة الثنائية لتلامس جوهر التوازنات الإقليمية والدولية.في جميع الاحوال والظروف، المنطقة والعالم محكوم بحالة انتظار قسرية وقاسية، حتى إشعار اخر حتى تضع الحرب أوزارها .
# محلل استراتيجي

فهيم الحامد

كاتب سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى