لم يكن الدور البارز الذي أدته المملكة العربية السعودية، بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في الدفع نحو إنهاء عزلة سوريا حدثًا دبلوماسيًا عابرًا، بل جاء امتدادًا لسلسلة من المبادرات والمواقف التاريخية التي رسخت موقع المملكة كفاعل محوري في النظام العربي والدولي. وقد شهدت المنطقة العربية، منذ عقود، أزمات متلاحقة لعبت فيها المملكة دورًا حاسما، كوسيط لحل النزاعات وكداعم للاستقرار السياسي والاقتصادي.
المملكة في ذاكرة المشهد اللبناني
اندلعت الحرب الأهلية في لبنان عام 1975 بين أطراف طائفية وسياسية متعددة، واستمرت لسنوات طويلة، عاش فيها اللبنانيون ويلات الانقسام السياسي الذي أثّر على كل مناحي الحياة. وكان للمملكة دور تاريخي في إنهاء هذا الصراع، حين استضافت مدينة الطائف السعودية المؤتمر الذي جمع ممثلي كافة الأطراف اللبنانية المتحاربة عام 1989، برعاية مباشرة من القيادة السعودية، وتمخض عنه “اتفاق الطائف”، الذي وضع الأسس الدستورية لنهاية الحرب، وأعاد توزيع الصلاحيات بين السلطات اللبنانية، ما مهّد لعودة الاستقرار إلى لبنان. ولم تكتفِ المملكة بذلك، بل كانت من أبرز المساهمين في إعادة إعمار لبنان بعد تلك الأزمة.
الخليج العربي والدور السعودي التاريخي
تعرضت الكويت لغزو غاشم من العراق في أغسطس 1990، ما أدى إلى أزمة إقليمية ودولية حادة، ومحكّ صعب لدول الخليج، وزعزع الصف العربي بشكل غير مسبوق. لكن كان للقيادة السعودية الموقف الحاسم الذي غيّر مسار تلك الأزمة، وأعاد الأمور إلى نصابها المشروع والطبيعي، حين استقبلت المملكة الحكومة الكويتية على أراضيها، وقادت قوات التحالف الدولي في عملية “عاصفة الصحراء”، التي أسفرت عن تحرير الكويت واستعادة أراضيها. ولم يتوقف الدور عند هذا الحد؛ فحتى بعد سقوط حزب البعث العراقي عام 2003، دعمت المملكة استقرار العراق في وجه حالة عدم الاستقرار، والخلافات الطائفية والسياسية، حيث قادت جهود المصالحة الوطنية، وسعت إلى تقريب وجهات النظر بين مختلف الأطياف، ودعمت الجهود الدولية لإعادة إعمار العراق، وكانت من أبرز المانحين.
موقف ثابت من القضية الفلسطينية
الدور التاريخي للمملكة في الوقوف بجانب الشعب الفلسطيني ممتد وعميق، ولا يقتصر على أزمة أو صراع، بل يشمل جوانب كثيرة يصعب حصرها في سطور. ولعل أبرزها “مبادرة السلام العربية” التي قدّمها الملك عبد الله بن عبد العزيز خلال قمة بيروت عام 2002، والتي نصّت على تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل مقابل انسحاب الأخيرة من الأراضي المحتلة عام 1967، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
كما بادرت المملكة إلى رعاية المصالحة الفلسطينية عبر “اتفاق مكة” عام 2007، حين تصاعدت الخلافات بين حركتي فتح وحماس بعد الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006، فدعت الطرفين إلى مكة المكرمة لعقد اجتماع تاريخي، وأشرفت على الحوار بينهما حتى تم التوصل إلى اتفاق ينهي الاقتتال الداخلي ويؤسس لحكومة وحدة وطنية. ورغم الأزمات اللاحقة، ظل “اتفاق مكة” علامة فارقة في جهود المصالحة الفلسطينية.
أدوار ممتدة في دعم الاستقرار العالمي
ما ذُكر آنفًا لا يشكّل حصرًا لجهود المملكة العربية السعودية في حل الصراعات والنزاعات التي شهدها العالم العربي والإسلامي، بل هو عرض مختصر لأهمها. فالجهود السياسية المبذولة بتفاصيلها وتعددها عبر العقود يصعب حصرها، إذ أن للمملكة تاريخًا طويلًا في دعم استقرار اليمن والسودان، كما أسهمت في دعم النمو الاقتصادي والاستقرار السياسي في مصر والأردن والعديد من الدول العربية الأخرى، وقد خلّد التاريخ هذه الجهود، وبقيت في أذهان الشعوب العربية. ومن المهم أيضًا التنويه بأن هذه الجهود العظيمة لم تقتصر على العالم العربي والإسلامي فحسب، بل امتدت لتشمل أزمات كبرى في العالم، كان للمملكة فيها مواقف مؤثرة غيّرت مساراتها نحو الأفضل.
المملكة العربية السعودية وقيادتها لم تكونا يومًا إلا راعيًا لمصالح العالم العربي والإسلامي، ولم تكن تدخلاتها في تلك الأحداث والصراعات إلا إيجابية. وكل ما سبق ذكره يرسّخ مساعي المملكة في دعم نهضة واستقرار العالم أجمع، ويؤكد قيادتها لمساعي السلام العالمي، إذ لم تتردد المملكة في أن يكون لها بصمة فاعلة في إرساء دعائم الاستقرار العالمي.
• أستاذ الإعلام – جامعة أم القرى