ضبط النفس والتنديد بشدة أو بشدتين والشجب، كل هذه العبارات مصيرها أن تُعلَّق على مشجب الواقع، وهو أن الدول الكبرى تملك تلك العلّاقة (المشجب). فأول ما يصدر تنديد وشجب ودعوة لضبط النفس، تسأل كل دولة وزير خارجيتها: هل عندكم مشاجب كافية؟ فيرد: نعم، لقد أخذنا هذا في الحسبان. وتذكروا أننا طلبنا زيادة الميزانية العام الفائت لأننا أصبنا بخيبة أمل، وخجلنا من المجتمع الدولي من كثرة ما نشجب، ولم نستطع تعليق إلا بعضها بسبب قلة المشاجب.
والدول اللي بالي بالك (التي على قد حالها)، صرنا نعلّق عدة شجوب لها على مشجب واحد، حتى سمعنا أن المشجب نفسه ضاق ذرعاً وقال:
(ya jamaea) أنا بتحمل (إيش ولا إيش)؟ إذا كان ولا بد، على الأقل علّقوا عليّ ما خف وزنه وغلا ثمنه.
ولنتخارج من إزعاج تلك الدول والبروبغندا خاصتهم، نصحناهم بشراء مشاجب خاصة بهم، وصنعنا لهم مشاجب بلاستيك صغيرة الحجم، وكتبنا في شهادة المنشأ أنها مصنوعة من الستيل، طبعاً حسب التفاهم مع تلك البلدان، وكل شيء بثمنه (وأدهن السير يسير). وكانت فكرة طيبة.
ولتفادي أزمة نفاد المشاجب وارتفاع ثمنها، قررنا أن الشركات التي تصنع مشاجب في داخل الوطن نخفف عنها رسومها. ونحمد القدير، فقد أصبحت الآن المشاجب على قفا من يشيل. وأبشركم، صارت المشاجب صناعة وطنية مزدهرة، وعليها إقبال شديد حتى من رجال الأعمال، حيث أصبحوا يشجبون أفعال بعضهم البعض.
وكذلك في المجال الرياضي، فحدث ولا حرج، وأي مواطن صالح أو طالح يستطيع أن يندد ويشجب كما يشاء، فقط يشتري مشجب من أي مشجبي، والبنوك مستعدة لتسهيل ذلك، وخاصة أنها تبغي جنازة وتشبع فيها لطم.
كما اتفقنا أن نصدر بياناً أوروبياً أمريكياً مشتركاً، وإذا رغبت روسيا والصين أن تحذوا حذونا، فلها ذلك. وموجز البيان أنه يمكن للدول الأخرى التوسع في التنديد والشجب ودعوات ضبط النفس، فالآن البنية اللوجستية جاهزة، وما عليكم إلا الشجب، وعلينا التطنيش والتعليق على مشجب “ما عندك أحد”.
الشجب والتنديد كقوة ناعمة يتبعها عمل له وزنه، فذلك مبرر وله القبول. أما مجرد “ترى نحن أدينا الواجب (وخشوني لا تنسوني)” وبعدين “ذاك وجه الضيف”، فهذا وجوده كعدمه.
ولندع الشجب والتنديد جانباً، فلا يفل الحديد إلا الحديد، والاقتصاد هو الحديد الذي فَلّ من يدّعي أنه أقوى منه، وهي الدول الكبرى. فتلك الدول إذا أمسكتها من اليد التي توجعها، تأتي إليك تجرجر أذيالها، وربما تكون بزفة معتبرة وتلعلع: (يختي عليها، يختي عليها، جتني تمشي برجليها).
الكلام ما يأكل عيش، ولو كان حاشفاً ناشفاً. رؤى القادة وإراداتهم وقدراتهم ومكانتهم هي التي تصنع التاريخ وتحقق المنجزات. وكم كان العمل بصمت ومن وراء الكواليس ذا آثار ونتائج مبهرة، حتى على أكبر الدول والكيانات السياسية.
إن التاريخ الضارب في عمق المجد للمملكة العربية السعودية، والإرث السياسي الفخم المبني على حكمة القيادة وحزمها، والاقتصاد الطبيعي والمتجدد الواعد، هم الأداة التي لا يقف في وجهها أية قوة كانت.
عندما أراد الأمير محمد بن سلمان رفع عقوبات عن سوريا، تم له ذلك في سويعات. وفي جعبة هذا القائد الماهر – بتوفيق الله – الكثير من القدرات التي ستسهم في حل الكثير من القضايا، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، التي وضعها سموه في أولويات مطالب المملكة، فلا تطبيع ولا غيره إلا بقيام دولة فلسطينية.
مجيء معظم قادة العالم إلى المملكة ليس للنزهة والترويح عن النفس، فهم يعلمون أن هنا قادة لهم الكلمة والريادة، فاختصروا الطريق إلى مركز القرار، ولمن إذا قال فعل.