همس الحقيقة
دقّت ساعة الصفر، وهذه الساعة لها علاقة بتوقيت محدد بالثانية، كان لها موعد تاريخي مع الأرقام، وأي أرقام! والصفر بجانبه أصفار تتحدث عن ملايين الدولارات والمشجعين، تشكّلت وتبنت فكرة ضخها في خمس أندية من أندية روشن وأندية أخرى، والبقية في الطريق، وفق رؤية خلاقة عرابها الأول الأمير محمد بن سلمان، قاهر المستحيل. تحققت مع دقاتها إنجازات ضخمة، ولا في الخيال، وفرح بها وطن عن كل الأوطان، وشعب شغوف بلعبة كرة القدم.
غداً الجمعة بإذن الله، وحينما تدق الساعة التاسعة مساءً، تتلهف الملايين من جماهير الكرة في المدرجات ومن خلف شاشة التلفاز لمشاهدة ومتابعة “أغلى” البطولات. بطولة تحمل اسم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، برعايته، ونيابة عنه سمو ولي العهد “حفظهما الله”، في مواجهة نارية تفرق كثيرًا عن كل المواجهات التي جمعت الفريقين، وفي كل البطولات الغالية السابقة منذ بداية هذه البطولة.
لعل الذي منح هذه البطولة كل هذا الاهتمام وهذه الميزة والأفضلية أن دقات هذه الساعة مختلفة تماماً في رنتها وآلية تشغيلها، إضافة إلى ضخامتها، وذلك من منظور لا يقتصر على مسمى البطولة فحسب، أو مسمى الناديين الاتحاد والقادسية، إنما على مستوى له علاقة بالاقتصاد الوطني ومنافسة لأول مرة تحدث على الملعب والمدرجات، تحمل اسم اسمين عملاقين كبيرين جداً في منظومة فتحت آفاقًا واسعة في عالم المال والاستثمار الرياضي، وهما: صندوق الاستثمار، المالك لأربعة أنديتها، وفي مقدمتها عميد الأندية السعودية نادي الاتحاد، وشركة أرامكو الغنية عن التعريف، والتي اقتحمت الرياضة من خلال امتلاكها لنادي القادسية. وما أدراك ما القادسية، في مسيرة الكرة السعودية، ولماذا هي تحديداً خُصّت بهذه “الحظوة”، واختيار يمثل منطقة نبعت منها منابع الخير لهذا الوطن وكونت ثرواته.
من هذا المنطلق، تأتي نظرة المنافسة في مباراة الغد مختلفة، ولها حساباتها الخاصة.
فإن كانت هي في واقع الأمر تُظهر جمالها وإثارتها على المستطيل الأخضر بملعب الجوهرة “الإنماء”، ففي نفس الوقت لهذه المواجهة ما يتبعها من خلفيات أخرى لم تحدث من قبل، وذلك فيمن يكسب التحدي: نادٍ يملكه صندوق الاستثمار أم شركة أرامكو؟ ومن منهما من يحدد نهاية هذا التحدي؟ هم مدربا الفريقين ونجوم كبار لهم قيمتهم الكبيرة في سوق هذه المدورة. والفائز من الاتحاد والقادسية سيرفع بدون شك رصيد سمعة ملاك هذين الناديين.
من الصعب جداً تحديد هوية البطل الذي سيخرج في ليلة “ملكية” الرابح الأكبر، فالاتحاد الذي حقق بطولة الدوري قبل خمسة أيام وفي حالة نشوة فرح، وفي صفوفه قائده كريم بنزيما، وكانتي، وفابينهو، وموسى ديابي، وغيرهم من نجوم محلّيين وأجانب، فلا نستطيع بأي حال أن نُلغي الأسماء التي ستمثل القادسية، حجم مكانتها وقيمتها الفنية والسوقية، وتأثيرها القوي الذي مكّن “بنو قادس” من أن يقدموا مستويات مشرفة هذا الموسم، منافسًا على بطولة الدوري. وهذا هو اليوم يلعب على نهائي أغلى الكؤوس.
ختاماً وبالمختصر المفيد، لن أكون مجازفاً محدداً لمن الغلبة؟ خاصة وأن أرامكو، مع كل التجهيزات التي حضرتها الفنية والمادية والجماهيرية، تدل أنها “ناوية على نية”، وبالتالي في مواجهة من عيار الوزن الثقيل، ولن تكون سهلة على الاتحاد، ولا صندوق الاستثمار الذي معروف للقاصي والداني وزنه ومقداره.
أبارك لكم أستاذ عدنان هذا الإنجاز التاريخي المستحق، بتحقيق الاتحاد ثنائية الدوري والكأس في موسم واحد، وهو إنجاز لا يأتي إلا لمن عرف طريق البطولات جيدًا.
أما عن ما تفضلتم به، فإني أشارككم الرأي في أن المال وحده لا يصنع مجداً في كرة القدم، فالمنصات لا يعتليها من أنفق أكثر، بل من تمرّس على ثقافة الفوز، وتشرّب روح التحدي، وعرف كيف يُحوّل الطموح إلى واقع.
الاتحاد أثبت أن “الخبرة” و”الهوية” و”روح البطل” هي العملة الأغلى في عالم المستديرة، وما المال إلا وسيلة، إن لم تجد من يُحسن استثمارها بعقلية بطولات، فلن تصنع له تاريخاً