
جمعان البشيري
في ليلة وطنية امتزج فيها الحماس بالفخر، وتحت أضواء نهائي كأس خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله -، تشرّف الحضور بوجود عرّاب الرؤية، صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، واجتمع عشّاق الكرة السعودية في مشهد رياضي مهيب. في ذلك المشهد، لم يكن “التيفو” المرفوع بين الجماهير مجرد لوحة فنية، بل كان خطابًا بصريًا بليغًا حمل في طياته معاني الولاء والطموح، والفخر بالوطن والاقتداء بالقيادة.
ازدانت مدرجات الملعب بعبارة التيفو: “شعب طويق.. طموحنا عنان السما”، في المباراة التي جمعت نادي الاتحاد بنادي القادسية، بحضور صاحب السمو الملكي ولي العهد، الذي شرف المناسبة بحضوره، فأضفى عليها هيبة ومكانة تتجاوز حدود الرياضة إلى معاني الوطنية الكبرى.
إن نهائي كأس خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله – لم يكن مجرد حدث رياضي، بل مناسبة وطنية لامست القلوب، وعبّرت عن مشاعر الوفاء للقيادة، والتلاحم بين الشعب وولاة أمره. ويأتي هذا الحدث السنوي ليجسد التقدير العميق لمقام خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله ورعاه -، ويؤكد أن الرياضة في المملكة باتت منصة للتعبير عن القيم الوطنية، والروح الجماعية، والانتماء الأصيل.
نتذكر حين أطلق سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله – وصف “شعب طويق” على أبناء هذا الوطن، لم تكن تلك العبارة مجرد وصف عابر، بل كانت تعبيرًا دقيقًا عن الشموخ والثبات والعزيمة التي يتصف بها السعوديون. جاء التشبيه بجبل طويق، الجبل الذي لا ينكسر ولا يلين، ليعكس جوهر شخصية الشعب السعودي: راسخ، لا يتراجع، ولا يعرف المستحيل.
تجلّى ذلك بوضوح في بلاغة العبارة، وقوة معناها، وجمال لغتها، إذ حملت كلمات التيفو بُعدين بلاغيين رفيعين. ولعل قلمي هنا يجانب الحياد، ويميل وينحاز بوجدانه إلى البلاغة،محللًا العبارتين بعين الناقد، لا بعين من يراها كلمات عابرة في عرس رياضي اجتمع فيه عشاق الساحرة المستديرة.
فنجد في عبارة “شعب طويق” استعارة مكنية؛ إذ تم إطلاق “طويق” على الشعب، فحُذف المشبّه به (الجبل)، وأُبقي على أحد لوازمه، وهو الاسم “طويق”، في دلالة على أن الشعب في شموخه وثباته كأنه جبل طويق ذاته. في هذا التركيب ما يدل على العزة والرسوخ، وهي صفات أصيلة في السعوديين.
أما العبارة الأخرى “طموحنا عنان السما”، فقد صيغت بأسمى صور البلاغة والفصاحة؛ فهي تشبيه بليغ حُذفت منه أداة التشبيه ووجه الشبه، وبقي المشبَّه (الطموح) والمشبَّه به (عنان السماء). وهنا يبلغ التعبير ذروته؛ إذ لا يحد طموح هذا الشعب سقف، بل يتجاوز الأعالي نحو اللامحدود، في انسجام تام مع طموح قائد الرؤية.
إن اختيار هذه العبارات في التيفو يدل على وعي الجمهور الرياضي، ورُقيّ ذائقته، وعمق انتمائه الوطني، واطلاعه على رموز القيادة ومقولاتها الملهمة. فالجمهور السعودي لم يعد مجرد مشجّع، بل أصبح شريكًا في صياغة الخطاب الوطني، يعبر بلغته عن طموحاته، ويفخر بهويته، ويقف صفًا خلف قيادته في كل الميادين؛ من الرياضة إلى التنمية، ومن الحلم إلى التحقيق.
همزة وصل:
في ذلك المساء، لم يكن التيفو مجرّد لوحة تُرفع في المدرجات، بل كان صفحة من صفحات التاريخ، يخطّها جمهور واعٍ، وقيادة ملهمة، وشعب لا يعرف المستحيل. وفي ظل ولي العهد، الذي يرى في طويق رمزًا لنا، ويقودنا بطموح يبلغ عنان السماء، نُوقن أن القادم أعظم، وأن “شعب طويق” ماضٍ إلى القمة بثقة لا تهتز.!