تكوّنت لدى الجهات الرسمية في المملكة خبرة كبيرة من خلال عملها الطويل في إدارة الحشود في مواسم الحج والعمرة، مما جعلها متميزة عن غيرها، وأصبحت تمثّل مدرسة دولية يُستفاد منها في إدارة الحشود في مختلف المناسبات العالمية.
فهي تمتلك خبرة متراكمة وجاهزية شاملة للتخطيط الدقيق لمسارات وتنقلات الحجاج بين المشاعر المقدسة، بجدولة زمنية وتنظيمية تراعي ملايين الحجاج والمعتمرين، من خلال توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي، والكاميرات الذكية لمراقبة الحشود وتحليل تحركاتهم، واستعداد الطواقم الطبية والأمنية الضخمة للتدخل السريع في حالات الطوارئ، واستخدام نظام التفويج الإلكتروني، إضافة إلى الاعتماد على الدرونز والكاميرات الحرارية لرصد كثافة الحشود داخل المشاعر، ومشروع قطار المشاعر لتقليل الازدحام، والإدارة الذكية للحالات الطارئة. كل ذلك يهدف إلى راحة الحجاج وسلامتهم، وقد أصبحت المملكة بذلك نموذجًا يُحتذى به عالميًا، مما عزز صورتها الإيجابية كمركز إنساني وديني وتقني في آنٍ واحد، ومكّنها من تقديم خدمة جليلة للإسلام والمسلمين لتيسير أداء الحج والعمرة.
إن جودة الخدمات المقدمة في موسمَي الحج والعمرة دفعت المملكة للاستمرار في تطوير آلياتها من أجل ضمان نجاح تلك المواسم. ولهذا، لجأت المملكة إلى استخدام طائرات الدرونز للحد من الحج بدون تصريح، ومراقبة المتسللين إلى مكة المكرمة، بما يضمن أمن وسلامة الحجاج النظاميين، ويخفف الضغط عن الجهات الأمنية التقليدية.
هذا التحول التقني الذكي في إدارة شؤون الحج هو انعكاس لحرص الدولة على تقديس شعائر الحج وتنظيمها، والتزامها بحماية الحجاج وتحقيق العدالة التنظيمية، من خلال التحول الرقمي في إدارة الحشود والمقدسات. وقد ساهم هذا التحول في تقليل عدد الحجاج المخالفين، وتحسين جودة الخدمات المقدمة، وتعزيز السلامة الصحية، خاصة بعد تجربة جائحة كورونا، من خلال رفع كفاءة الجهات الأمنية وتقليل الاعتماد على الجهد البشري.
ومن الثمار المتوقعة لهذا التطوير، تحسين جودة حياة الحاج والمعتمر، وتنظيم أفضل لموسم الحج، بما يعزز سمعة المملكة عالميًا، ويقدّم نموذجًا يُحتذى به في إدارة حشود الحج والعمرة بالتقنية الحديثة، دعمًا لرؤية المملكة 2030 في مجالات التحول الرقمي والأمن الذكي، عبر توفير بيئة أكثر روحانية وسكينة للحجاج النظاميين، والتقليل من التحديات التي تواجه موسم الحج.
ومن بين تلك التحديات، ظاهرة التسلل إلى مكة دون تصريح، وقد جاء استخدام طائرات الدرونز ليُعزز الرقابة على مداخل مكة، ويرصد المتسللين من المنافذ البرية والجبال والممرات التي قد يستغلها البعض، في خطوة تُبرز مدى تطور المنظومة الأمنية وتحولها الذكي في حماية المقدسات من آثار الحج غير النظامي.
وقد تم تزويد طائرات الدرونز بكاميرات حرارية عالية الدقة وأنظمة تحليل ذكية، تقوم بإرسال بيانات مباشرة إلى مراكز التحكم، ما يسمح باتخاذ قرارات فورية وتعقّب المخالفين قبل دخولهم إلى النطاق المحظور، مما يُقلل الضغط على رجال الأمن المنتشرين على الأرض، ويُسرّع الاستجابة لأي خرق أمني أو تحركات مشبوهة، ويسهم في ضمان سلامة الحج من النواحي الصحية واللوجستية، ويُعزز شعور الحجاج النظاميين بالأمان.
لقد أحدثت هذه التقنيات الحديثة نقلة نوعية في إدارة موسم الحج، حيث بات التنظيم أدق وأكثر عدالة في أداء الشعائر، ما أدى إلى خفض أعداد الحجاج غير النظاميين عامًا بعد عام، وساعد في تصدير نموذج سعودي يحتذى به عالميًا يجمع بين التقنية والقداسة، ويُرسّخ صورة ذهنية عن المملكة بوصفها راعية للحج، لا مجرد دولة منظمة له.
وكان ذلك كله بفضل دعم الحكومة السعودية بقيادتها الرشيدة، ممثلة بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين سمو الأمير محمد بن سلمان – حفظهما الله – الذين جعلوا من تطوير الحج أولوية دينية وإنسانية وتقنية.
• عضو هيئة تدريس سابق بقسم الإعلام بجامعة أم القرى بمكة المكرمة
• مقيم في الولايات المتحدة الأمريكي