المقالاتعام

صلة الرحم.. تجلٍّ للإيمان وميزان للإنسانية

في منظومة القيم التي أرسى دعائمها الإسلام، تأتي صلة الرحم في مرتبةٍ متقدمة، لا بوصفها خلقًا اجتماعيًا فحسب، بل باعتبارها عبادةً قلبية، تُعبِّر عن صدق الإيمان، ونُبلِ الطبع، وسموّ المعاملة.

لقد قرن الله تعالى بين عبادته وصلة الأرحام في مواضع متعددة، وكأنها امتداد طبيعي لخشية الله وتقواه، إذ قال:
{وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء: 1]،
وفي هذا ربطٌ واضح بين التقوى وصلة الأقربين، مما يدلّ على أن هذه الصلة ليست من نافلة الأخلاق، بل من صميم الدين.

صلة الرحم تشمل أوجهًا كثيرة: بدءًا من السؤال والدعاء، ومرورًا بالزيارة، والمساعدة، والمواساة، وانتهاءً بالصبر على الأذى والتجاوز عن التقصير. وهي لا تُقاس بحجم العطاء، بل بصدق النيّة، واستمرارية الودّ، وعمق الوفاء.

وقد نبّه النبي ﷺ إلى أن الصلة الحقيقية لا تكون بالمقابلة بالمثل، بل في مدّ الجسور عند الانقطاع، فقال:
“ليس الواصِلُ بالمكافئ، ولكن الواصِلَ الذي إذا قُطعتْ رحِمُه وصلها.”
تلك الصلة التي لا تنتظر الثناء، ولا تتوقف على مجاملة، بل تنبع من شعورٍ بالواجب، وإدراكٍ بأن الرحم عهدٌ لا يُنقض، وسندٌ لا يُهدم.
وما أحوجنا، في زمن التباعد والانشغال، أن نستعيد هذه الفضيلة الغائبة.
فالعيد، بموسمه المبارك وأجوائه الرحيمة، ليس مجرّد مناسبةٍ اجتماعية، بل فرصةٌ متجددة لإحياء ما اندثر من صلات، وترميم ما انكسر من روابط، وتصحيح مسارات العلاقات العائلية التي أنهكها الجفاء.
إن من أعظم آثار صلة الرحم: بركة العمر، وسعة الرزق، وراحة الضمير، وهي من النعم التي لا تُشترى، بل تُكتسب بمجاهدة النفس وإيثار الصلة على القطيعة، والمبادرة على التردد.
فمن أراد وجه الله، وأراد رفعةً في الدنيا وثوابًا في الآخرة، فليجعل صلة رحمه عهدًا لا ينقطع، وسلوكًا لا يزول، ووصيةً لا تُنسى.

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى