يعكس مشروع المملكة العربية السعودية للإفادة من الهدي والأضاحي تحوّلًا كبيرًا حيث لم يعد التركيز على النسك بوصفه هدفًا بل بات جزءًا من سلسلة إنسانية متكاملة تبدأ من مكة المكرمة ولا تنتهي إلا على موائد المحتاجين في أكثر من 27 دولة . في كل موسم من مواسم الحج تتكرر صورة الذبح وتوزيع الأضاحي وكأنها مشهد محفوظ يُعاد كل عام لحوم تُذبح وتُغلف وتُوزع في إطار أداء نسك شرعي لكن مع تطور الزمن وتنامي المسؤوليات بات السؤال أكبر من مجرد تأدية النسك ليصبح ماذا بعد الذبح؟ وماهي الترتيبات ؟ولمن تُعطى لحوم هذه الأضاحي؟ وكيف نحول هذه الشعيرة إلى عمل تنموي عابر للحدود لمساعدة المحتاجين ؟والتي تساهم في تخفيف الأعباء الاقتصادية والمعيشية ، مدفوعًا بروح رؤية السعودية 2030 إلى فضاء أوسع من التأثير والتمكين ، حين نتحدث عن الأثر الحقيقي لمشروع (أضاحي) فنحن لانقف عند حدود الشعيرة ذاتها بل نتجاوزها إلى ما بعدها إلى حيث تصل اللحوم إلى المجتمعات المحتاجة في أقاصي الأرض وفي صورة مغلفات محفوظة بعناية ولكنها في جوهرها تحمل رسائل إنسانية رفيعة لتثبت أنه مشروع إنساني متكامل ومن أجل الحفاظ على اللحوم لأطول فترة ممكنة وضمان وصولها للمستفيدين في حالة جيدة يتم تعليب اللحوم وتغليفها بتقنيات حديثة مايضمن سلامتها خلال التخزين والنقل والتوزيع ويزيد من فاعلية المشروع ، لم يعد (أضاحي) ذلك المشروع الذي وُلد في الثمانينات لأداء النسك بل تطور اليوم إلى منصة إغاثية ولعل أحد أبرز العوامل التي عززت هذا التحول هو الدور المتنامي لـ(الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة) والتي باتت تتعامل مع موسم الحج بما فيه نسك الأضاحي كمنظومة شاملة لامجرد موسم مؤقت من خلال التكامل مع الوزارات والجهات الأخرى وتعمل على إعادة تصميم كامل لمفهوم الخدمات في الحج فعلى مدار 42 عامًا استطاع مشروع (أضاحي) أن يتجاوز تحديات موسمية الذبح والتوزيع ليخلق نموذجًا تشغيليًا يحتذى به فالأضحية التي كانت تُذبح ثم تُوزّع في محيط محدود وباتت اليوم تخضع لسلسلة منظمة تشمل الذبح وفق الضوابط الشرعية والتبريد والتخزين والتغليف والتعليب والشحن ومن ثم يتم توزيعها على ملايين الأسر في أكثر من 27 دولة ذات الاحتياج الإنساني العالي ، هذا التغيير الجذري هو ما تفعله الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة التي لاترى الأضحية مجرد عبء موسمي بل فرصة لبناء نموذج تشغيلي مستدام ولأن الأثر لايُقاس فقط بالكم بل بالكفاءة فقد أصبح المشروع نموذجًا في كيفية إدارة العمل الخيري بالمنهجية المؤسسية حيث تُقاس كفاءة الأداء بعدد الوجبات الموزعة ومعدلات الهدر التي تم خفضها والامتثال للمعايير البيئية والصحية والشرعية ناهيك عن رضا المستفيدين في الدول التي تصلها المساعدات مما يمنح المشروع بعدًا دوليًا يتجاوز الإطار المحلي ولم تقتصر جهود الهيئة على النسك الموسمية فحسب بل تطور المشروع بدعمها لينفذ النسك على مدار العام بما يشمل النسك التي لا ترتبط بزمان أو مكان مثل العقيقة والصدقة إلى جانب النسك الموسمية المرتبطة بموسم الحج وهو ما وسّع من أثر المشروع وجعله أداة إنسانية دائمة لا موسمية ، هذا التغير الجذري في المفهوم هو ما تصنعه الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة التي باتت تنظر إلى المشروع كجزء من البنية الاستراتيجية لها لاكمبادرة موسمية تُدار بطريقة تقليدية فالهيئة اليوم ومن خلال شراكاتها تسعى إلى تطوير المنظومة وهي خطوات تؤسس لعصر جديد في إدارة الشعائر ذات الأبعاد الإنسانية وباختصار إن مشروع المملكة للإفادة من الهدي والأضاحي لم بعد فعلًا ينتهي بنهاية أيام التشريق بل أصبح بداية لحكاية من العطاء لاتنتهي عنوانها من مكة المكرمة إلى العالم ومن شعيرة إلى أثر.
• المشرف العام على مشروع المملكة للإفادة من الهدي والأضاحي