الهلال وإنزاغي.. استثمار في المدرب أم رهان على صناعة العلامة الرياضية؟
حين أعلنت إدارة نادي الهلال التعاقد مع المدرب الإيطالي سيموني إنزاغي، لم يكن الخبر مجرد انتقال فني، بل خطوة استراتيجية تتقاطع مع مفاهيم أوسع تتعلق بالهوية الاتصالية، وصناعة العلامة الرياضية، وتمكين النادي من التموقع ضمن المشهد العالمي لكرة القدم. إنزاغي، الذي بدأ مسيرته التدريبية مع لاتسيو عام 2010 ثم قاد الفريق الأول لاحقًا، قبل أن ينتقل إلى إنتر ميلان ويحقق معه ست بطولات، يمثل في ذاته أكثر من مدرب ناجح. هو شخصية تدريبية ذات سجل أوروبي، وأسلوب فني قادر على فرض حضور بصري واتصالي قوي في وسائل الإعلام، الأمر الذي يجعل منه قيمة مضافة لعلامة الهلال التجارية.
الهلال، الذي لم يعد فقط نادٍ محلي، بل مؤسسة رياضية تمتلك جمهورًا عابرًا للقارات، وجد في إنزاغي النموذج القادر على دمج الأداء في الميدان مع الكاريزما القادرة على تسويق هوية النادي عالميًا. وفي زمن أصبحت فيه كرة القدم واحدة من أقوى أدوات الاتصال الجماهيري، فإن استقطاب مدرب بحجم إنزاغي هو استثمار استراتيجي أكثر منه قرار فني. وهو ما ينسجم تمامًا مع الرؤية السعودية 2030 التي وضعت الرياضة ضمن ركائز الاقتصاد الإبداعي، مستهدفة تحويل الأندية إلى كيانات استثمارية ذات قيمة اقتصادية، ورسالة ثقافية ممتدة.
منذ انضمامه، أظهر إنزاغي حماسه لخوض هذه التجربة الجديدة، مشيرًا إلى أن الهلال يمتلك إرثًا رياضيًا وجماهيريًا ضخمًا. هذا التصريح وحده يعكس إدراك المدرب لديناميكيات الهوية الجماعية للنادي، ويضعه في موقع الشريك لا المنفذ. إنزاغي لا يأتي إلى الهلال مدربًا فقط، بل سفيرًا لاتصال عالمي، ووجهًا قادراً على تمثيل السعودية في أكبر منصات الرياضة الأوروبية.
الرهان على إنزاغي هو رهـان على خلق تجربة كروية متكاملة، لا تُقاس فقط بعدد البطولات، بل بما يترتب عليها من تراكمٍ اتصالي وتسويقي، يُعيد تشكيل صورة الهلال كعلامة دولية. ومن هذا المنظور، فإن حضور الهلال في بطولات كبرى مثل كأس العالم للأندية، لم يعد غاية في ذاته، بل جزءًا من رحلة بناء علامة رياضية سعودية يُمكن تصديرها، والترويج لقيمها، وتحقيق عوائدها الاقتصادية عبر عقود الرعاية، وبث الحقوق الإعلامية، ونمو قاعدة المشجعين دوليًا.
وهنا يتجلّى المعنى الحقيقي للتعاقد مع إنزاغي؛ ليس مجرد مدير فني يُدير التمارين ويُخطط للتشكيلات، بل رمز استراتيجي يعكس طموح الهلال ككيان يتجاوز حدود الملعب، ليصبح أحد أركان “الاقتصاد الرياضي” الحديث. ومن خلف هذا التوجه تقف إرادة وطنية، ترى في الرياضة بابًا للنمو الاقتصادي، وواجهة للقوة الناعمة السعودية، ومسارًا لإعادة تعريف أدوار الأندية داخل السوق العالمي.
الآن، ومع بداية المشوار، يترقب الشارع الرياضي ليس فقط نتائج الهلال تحت قيادة إنزاغي، بل الأثر الذي سيحدثه هذا الحضور الإيطالي في رسم مستقبل النادي، وتحويله من نادٍ يتصدّر البطولات المحلية، إلى كيان رياضي عالمي بقيمة اقتصادية واتصالية متكاملة