المقالات

سكينة الستين،، ونور ما تبقّى من العمر

بالرضا والتسليم، وبأثر الخطى التي مشتها الروح في دروب العمر، أبدأ كلماتي…
لقد مضى من العمر ما يكفي لأتذوّق طعم الحياة
بطبقاتها المختلفة:
حلوها ومُرّها، سُرورها وألمها، ضجيجها وسكونها.
ومضيتُ في متاهات
الأسئلة الكبرى التي
تهزّ كيان القلب:
ما المعنى؟ ما الغاية؟
وأين الطمأنينة التي
تشتاقها الروح؟
حتى أدركت – بعد طول سعي –
أن الحقيقة ليست
في كثرة ما نملك،
بل في خفة القلب،
وصدق التوجّه،
ونقاء العلاقة مع الخالق.
وحين تخطيتُ مابعد الستين،
شعرت أني عدت إلى ذاتي،
إلى حقيقتي التي حجبتها شواغل الأيام.
لم يعد للزيف مكان،
ولا للمجاملات صوت،
ولا للأقنعة ضرورة.
عرفت أن الطمأنينة
ليست شيئًا نقتنيه،
بل مقامًا نرتقيه بالذكر، وبالرضا، وبالصحبة الطيبة، وبالصدق في النية والعمل.

في هذا العمر،
لا أبحث عن جديدٍ يُبهر،
بل عن عمقٍ يُنير…
لا أسعى وراء كثرة،
بل وراء بركة،،
لا أعدّ السنوات،
بل أزِن اللحظات
بما تحمله من معنى وحضور.
وصلتُ إلى مرحلة
لا أبحث فيها عن
أصدقاء جُدد؛ اكتفيتُ بالقلة الذين ظلّوا أوفياء
رغم تقلبات الحياة،
وأصبحت أجد في
وحدتي أنسًا،
وفي عزلتي سكينة،
كما قال أبو العتاهية:
أَنِستُ بِوَحدَتي وَلَزِمتُ بَيتي
فَطابَ الأُنسُ لي وَصفا السُرورُ
لم أعد أركض
خلف بريق الإثارة،
ولا أُفتّش عن المتعة
في الزحام.
أصبحت أبحث
عن الحياة الحقيقية
في طمأنينة القلب،
وفي دعاء يُقال بصمت،
وفي يدٍ تمتدّ بالعطاء
لتُرضي الله، لا لتُرضي الناس، وفي لقاءاتٍ صادقة
خالية من المجاملات.
وقد صدق قول الله تعالى
حين اختصر الطمأنينة
في مقام واحد:
﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾
هي رحلةٌ في معارج الطيف، فلسفيةُ الروح،
وجدانيةُ النبض،،
لا يدركها إلا من لامس
بحضوره سرّ الحياة،
وذاق في قربه من الله
حلاوةً لا تضاهيها لذّة.
فالحمد لله على العمر
، وعلى كل نَفَسٍ
لم يُسرَق في الغفلة،
وكل لحظة صحو
أُهديَت لي بعد طول غياب
(( ابن تجربة الدهر ))

أ. د. عائض محمد الزهراني

نائب الرئيس لإتحاد الأكاديميين والعلماء العرب

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. الله ما اروعك يابو محمد كلمات مضيئة تشع نورا ، راقية كرقي كاتبها وهذا هو ديدنك نتعلم منك ونصغر أمام قامتك الشامخة .

  2. وفقك الله وسدّدك د عايض الزهراني
    كلمات لامست قلبي وتجربتي التي أعيشها
    كلمات مضيئة كالقمر في لبتة الرابعة عشرة
    لا فض فوك وسلمت يداك وقلمك الرائع ابا محمد !!
    ابو فيصل / مكة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى