المقالات

جبال الجنوب تصرخ ( وا شجرتاه )؟!

ما زالت بعض المناطق الجنوبية تشهد منذ ما يقارب شهر ونصف حرائق غابات واسعة النطاق أثارت قلقًا بيئيًا ومجتمعيًا كبيرًا. نظرًا لحجم الدمار البيئي والمخاطر التي احدثتها تلك الحرائق المخيفة خاصة وأن هذه الحرائق ليست مجرد حوادث عابرة، بل أنها باتت جرحاً غائراً في جبال السروات الممتدة من الطائف حتى منطقة عسير والتي باتت تصرخ بأعلى صوتها وهي تردد (وا شجرتاه )! وتثير بصرختها تلك تساؤلات عديدة وملحة حول أسباب هذه الحرائق وتداعياتها، وسبل الوقاية منها.

فقد لاحظنا أن فصول هذه المأساة باتت تتجدد وتتسع رقعتها عاماً بعد عام خاصة في المناطق الجنوبية ، حيث تلتهم ألسنة النيران مع حلول فصل الصيف آلاف الهكتارات من الغابات البكر، مخلفة وراءها رماداً كئيبا ،ومنظراً موحشاً ، و ندوباً غائرة في ذاكرة سكان تلك المناطق. فهذه الحرائق ليست مجرد حوادث عابرة، بل هي كارثة بيئية واقتصادية واجتماعية تتطلب من الجميع وقفة جادة، وفهمًا لأسبابها، ومتابعة حثيثة من الجهات الأمنية، وتكاتفاً مجتمعياً لوضع حد لهذا النزيف في الطبيعة .

وإذا ما سلطنا الضوء على هذه الكارثة البيئية المدمرة فإن الأسباب التي تقف وراءها تعود إلى مجموعة من العوامل الطبيعية والبشرية إلا أن البشرية منها تعد المتهم الأول خاصة تلك الممارسات الخاطئة التي لا يدرك البشر عواقبها الوخيمة كإلقاء أعقاب السجائر، وإشعال النيران للتخييم دون اتخاذ تدابير السلامة اللازمة، وحرق المخلفات الزراعية، فكلها ممارسات يمكن أن تؤدي إلى كوارث لا تُحمد عقباها سواء أن كان ذلك بقصدأو بدون قصد، فالنار نفسها طويل لا يقف في طريقها شيء،ولا تخلف إلا الحسرة والعويل .
لذلك فقد بات من الظروري التصدي لهذه الحرائق وفق رؤية شاملة وعملاً دؤوباً يرتكز على الوقاية أولاً ، ومن ثم تكثيف حملات التوعية، وتطبيق الأنظمة والقوانين بصرامة، وإنشاء مسارات عازلة للنيران في الغابات، وإزالة المخلفات الجافة بانتظام ، واستخدام الطائرات المسيرة لمراقبة الغابات واكتشاف الحرائق مبكراً. مع إدراكنا التام أن كل هذه الجهود وكل هذه الاقتراحات لن تؤتي ثمارها إلا في ظل وجود حس أمني لدى كافة المواطنين وذلك بتعاونهم مع الجهات الأمنية والإبلاغ عن أي ممارسات مشبوهة أو ملاحظات قد تساعد في منع هذه الحرائق أو سرعة التعامل معها.

وختام القول فإن حرائق بني مالك والمندق التي وقعت مؤخراً ليست مجرد حوادث فردية، بل هي ناقوس خطر ٍدق وتردد صداه في أعالي الجبال ويحمل في صداه العشرات من الرسائل التي يجب أن ندرك معناها قبل وقوع الفأس في الرأس أهمها أن نعمل جاهدين على الحفاظ على ثرواتنا الطبيعية التي أنعم الله بها علينا ، فجمال هذه المناطق ومقوماتها الطبيعية هي وديعة في أعناقنا، وحمايتها مسؤولية وطنية يجب أن ننهض بها جميعاً، لضمان مستقبل تزدهر فيه الطبيعة ويسود فيه الأمن فهذه المناطق ومقوماتها البيئية لا تقدر بثمن، وحمايتها مسؤولية تقع على عاتق الجميع من أجل مستقبل مشرق للأجيال القادمة فهل نعي الدرس ونعمل بجد لمنع تكرار مثل هذه المآسي؟

همسة قلم :
الانخراط في الفرق التطوعية وقت الأزمات وسام شرف على صدر كل مواطن أو مقيم .

عبدالرحمن العامري

تربوي - كاتب صحفي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى