المقالات

الاختبارات واستراتيجية العام المقلوب !

في خطوة غير مسبوقة قامت وزارة التعليم هذا العام بتطبيق قرار إدراج الاختبارات النهائية ضمن الجدول الدراسي اليومي كتجربة جديدة على الميدان التربوي وكأن الطلاب والمعلمين آلة متعددة المهام وكائنات هلامية يستطيعون خلال سويعات قليلة التنقل بين الحصص الدراسية، والأنشطة المدرسية، ثم الانتقال بسلاسة إلى وضع تأدية اختبار نهائي لمادة أو مادتين ربما أتى موعده بعد حصة رياضة سلبت طاقة العقل والجسد معاً ! أو حصة علوم مليئة بالقوانين الكيميائية في تجربة يكاد يغلب عليها تسمية ( العام المقلوب )!

فلكم أن تتخيلوا معي سيناريو فترة الاختبارات النهائية ولكم أن تتخيلوا معي فصول وأحداث خمسة أيام دراماتيكية قادمة حيث يستيقظ الطلاب والطالبات من نومهم على صوت المنبّه المزعج وكابوس ورقة الاختبار المفزع فيتوجهون لمدارسهم وهم يرددون دعاء تثبيت ما حفظوه طوال ليلة مليئة بالسهر والقلق ، وما أن تطأ اقدامهم صفوفهم الدراسية حتى يبدأون يومهم بحصة رياضيات منفرجة الزاوية،فإذا ما حلت الحصة الثانية استدعوا عقولهم الاحتياطية ليبدأوا اختبار الفترة الأولى التي سرعان ما تنتهي احداثها يدق جرس الفسحة وهنا يبدأ الجزء المحير للطالب هل يفتح كتاب الاختبار القادم؟ أم يغمض عينيه ويسترجع السؤال الذي نسي إجابته في الاختبار الذي خرج منه قبل الفسحة ؟ أم يأكل الساندويتش المبلل بكاتشب القلق؟ إلا أنه سرعان ما يقطع تفكيره جرس انتهاء مدة الفسحة لتبدأ رحلة الحصص من جديد حتى إذا ما حل موعد اختبار الفترة الثانية نزف الطالب ما تبقى من ذاكرته على الورق، ثم يخرج من المدرسة ليجد أن الظهيرة قد حلت وأن قيلولته قد رحلت وعليه الاستعداد ليوم أخر من معاناة العام المقلوب !
أما ذلك الكائن الفضائي الذي يسمى بالمعلم فإنه وجد نفسه في قلب هذه الدوامة حيث تراه تارة يشرف على لجان الاختبارات وتصحيح مواده التي يدرسها ، وتارة يحمل حقيبته المملوءة بخيبات الأمل من هذه القرارات متوجهاً إلى حصته المدرجة في الجدول اليومي ،وتارة أخرى يلملم بقايا روحه التي تكاد تطلع في غرفة الشاي فيقضي وقته مشتتاً ما بين حصصه واللجان .

وخاتمة القول : فإننا لسنا ضد التطوير والتنوير ولسنا ضد الابتكار والتغيير إلا انه من وجهة نظري فإن قرار الدمج بين الدراسة والاختبارات النهائية في يوم واحد لا يُرهق الطالب فحسب، بل يُربك المدارس وكافة العاملين بها، ويُشتت العمل، ويُفرغ العملية التعليمية من معناها الحقيقي. ويزيد الأعباء على المدراء والطواقم الإدارية الذين باتوا يتساءلون بكل حرقة هل من المنطقي أن يجمع بين الاختبارات وتقديم محتوى جديد في يوم واحد؟
وأليس من البديهي أن يُخصص للاختبارات وقت منفصل وبدون فوضى تربوية؟
وأليس من البديهي أن مثل هذا القرار يُخضع الطالب لظروف نفسية وضغط ذهني، تجعله غير مهيأ تمامًا لاستيعاب أي شرح جديد من المعلم؟
وإلى أن يجدوا من يجيب على هذه التساؤلات فإنهم يأملون من صناع مثل هذا القرار إعادة النظر فيه وتقييمه بعد انتهاء اختبارات هذا العام مباشرة فالتعليم لا يُقاس بكثرة الحصص بل يقاس بجودة ما فُهم، وراحة من تعلم، وتقدير من علّم.

وخزة قلم :
دراسة أي قرار قبل تطبيقه يعزز من نجاحه واستمراريته والعكس صحيح

عبدالرحمن العامري

تربوي - كاتب صحفي

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

  1. هذا شئ طبيعي جدا فالقرارات التي تصدر سريعا وبدون دراسة متكاملة ولا يؤخذ فيه رأي العناصر الأساسية في العملية التربوية 1- المعلم 2- الطالب 3- ولي الأمر . هكذا تكون نتائجها ومن خلال عملي في الميدان لأكثر من ثلاثين عاما ما بين معلم ووكيل مدرسة وقائد مدرسة لم يؤخذ الرأي من قبلنا في اي قرار . وكأني بمن يصدر القرار يقول :- وما أهديكم إلى سبيل الرشاد .

  2. شكرًا جزيلًا على مقالك الرائع
    أود أن أعبّر لك عن امتناني وتقديري لكتابتك هذا المقال الجميل.
    بالفعل نتمنى إعادة النظر في هذا القرار، والعودة إلى آلية أكثر إنصافًا للطلاب، تضمن جودة التعليم دون التضحية براحتهم أو بمستوى تقييمهم

  3. لا فض الله فوك رد مبدع وكتابة باحرف أديب مبدع في تصوير وتمثيل لمعاني النفسية والسلوكية التي يعاني منها الطالب والمعلم والهيئة الدراسية بأسلوب فكاهي، وانا اتفق مع الاديب المعلم في وجهة نظره التي خرجت من رحم المعاناة من اروقة البيئة التعليمية المثقلة بالتعاميم والتعليمات والمهددة بامن المعلم وسلامته من التحقيق والايقافات وكان المعلم داخل حلبة مصارعة لا يدري من خصمه الوزارة ام المشرف التربوي ام المديراو الوكيل ام ولي الأمر المتعرجف بانظمة الجور الوزارية او الطالب المتبخترت في اروقة المدرسة وهو قد ظمن سلفا نجاحه وخوف المعلم منه ومن الوزارة التي تقف بكل صلافة مع الطالب ظنا منهابذلك نجاح العملية التعليمية .
    إن البيئة المدرسية بناء تربوي تبنيه الهيئة التعليمية والإدارية لذا اقترح اعطاء صلاحيات لكل مدرسة لبناء بيئة التعليمية وفق الظروف المحيطه بها وسن الانظمة الخاصة بها التي تضمن بناء تعليمي مهني مميز لانتاج كوادر وطنبة تبني وتنتج الابداع بدل انتاج عاهات وحمل تكون أعباء على سوق العمل وعلى الدولة .
    دمتم بخير

  4. المزعج في الموضوع ان تكون مثل هذه القرارات الفوضوية الرديئة تربويا و عمليا .. ان تكون صادرة من جهة يفترض فيها ان تكون اكثر علمية و دقة و غاية ساميه ..

    لكن المؤسف ان مثل وزارة التعليم تكون هي منبع مثل هذه الفوضى و الرجعية !!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى