لطائف الطائف (1-5)
الطائف، المدينة التي تجلس على عرش السحاب وتعانق الضباب، ليست مجرد بقعة جغرافية على خارطة المملكة، بل هي لوحة فنية رسمتها الطبيعة بريشة من ضوء وندى. تقع الطائف على ارتفاع شاهق يفوق 2500 متر، وسط جبال السروات المكللة بالضباب، حيث يُولد الصباح بعطر الورد وينام المساء على همس النسيم.
هنا، تتماهى الطبيعة مع التاريخ، وتتمازج الجبال بالأودية، وتفترش الأرض ببساط من الخضرة والزهور. إنها مدينة تعانق الجمال في تفاصيله، وتسكن الشعر في أوتارها، وتمنح زائريها فسحة من السلام البصري والنفسي، وكأنها تهبهم هدنة مؤقتة من ضجيج الحياة.
تاريخيًا، ظلت الطائف ملاذًا للشعراء، وملتقىً للملوك والقوافل، ومنبعًا للذكريات. فيها كتب التاريخ أسطره، وفيها تفتحت قرائح الشعراء، وولد الإلهام. إن عبق الطائف لا يقتصر على ورودها، بل يتغلغل في ترابها، في أزقتها، في أبنيتها، وفي وجوه أهلها الذين يحملون في أرواحهم طيبة الجبل ونقاء النسيم.
ولعل أجمل ما يميز الطائف أنها تحتفظ بروحها رغم تغير الأزمنة، وتمنح كل من يزورها شعورًا بأن الجمال لا يُنسى، وأن بعض المدن خُلقت لتكون أنشودة تتردد في القلب طويلاً. إنها عروس المصائف، وسيدة الذوق الطبيعي، وقبلة الباحثين عن الصفاء، والتوازن، والتأمل.
إن الطائف، بما تحمله من ملامح الطبيعة وعطر التاريخ، ليست مجرد مكان يُزار، بل تجربة تُعاش، وذاكرة تُروى، وعاطفة تُستحضر كلما مرّ اسمها.
في الطائف…
تتعلم الحواس كيف تُبصر الجمال، ويتعلم القلب كيف يُحب المكان كأنه إنسان