المقالاتعام

ًكلومين في سوقه يبيع خروقه

لتوّنا خرجنا من موسمٍ مهيب.
حجّ ناجح بكل المقاييس، مشاهد تفيض خشوعًا، تنظيم يُحتفى به، وقلوب ذابت في دعاءٍ واحد.
المملكة احتفلت، والبيوت امتلأت برائحة العيد، بلحظات اللقاء، بذبح الأضاحي، بنسائم السكينة التي لا تطرق الأبواب مرتين.
بدا كأننا دخلنا فصلًا من الطمأنينة، ولو مؤقتًا.
لكن العالم، كعادته، لا يمنح الطمأنينة فرصة للاستقرار.
قبل أن تجف موائد العيد، اندلعت النيران في الأفق.

المنطقة تشتعل….
صواريخ، بيانات، صمت نووي، تصريحات تترنح بين التصعيد والردع.
تل أبيب تحت النار، طهران تُقصف وترد،
الخرائط تتبدل، وشريط الأخبار لا يعرف الوقوف.

وفي المجالس…
يتداول الناس كل شيء.
من أخبار الجبهات إلى تحليلات الأسواق.
واحد يوصي بالذهب،
آخر يشكّك في الأسهم،
وثالث يهمس: “الأمان صار مفهوم متغير.”

لكن أكثر ما شغل البيوت،
رسالة انتشرت في مجموعة أمهات على “الواتساب”،
تقول إن سائحة بريطانية اسمها بيث، توفيت في تركيا بعد مرض غامض،
رجّعوها لأهلها… بلا قلب.
ما في تأكيد رسمي، لكن القصة انتشرت كالنار.
تذيّلها إحداهن برسالة صوتية تقول:
“انتبهوا من السفر… والله ما تعرفين وين تروحين، مكة وشرما أبرك لنا.”

وفي بيت سعودي يشبه آلاف البيوت،
لم يكن هناك سفر ولا قلب مفقود،
لكن قلب الأم كان موزعًا على جداول لا تنتهي.
طفل عنده نادي،
واحد يراجع مواد،
واحدة تبدأ الفصل الصيفي،
والأب… مسافر يرتّب أفكاره في مدينة باردة.

البيت بلا خارطة…..
دوام، عطلة، حرارة، فاتورة، كرتون ماء،
والمزاجات تتحرك على توقيتات مختلفة،
ولا أحد متفق على أي شيء…
إلا أن الوضع “يبغى له صبر.”

وفي الجهة الأخرى….
كان جارهم قد عاد لتوه من رحلة إلى جنوب أفريقيا.
يحلف أن الأجواء كانت خيال،
برد ناعم، مناظر تأسر، أكل لذيذ، وكل شيء على ما يُرام…
إلا شيء واحد….
كل يوم بعد الساعة السابعة مساءً، يجلسون في صمت ثقيل.
ينتابهم خوف لا يُقال،
من إشاعات عن الانفلات الأمني،
ومن تحذيرات مرسلة بينهم بصوت منخفض:
“لا تطلعوا، خلكم في الفيلا، بس نرجع بالسلامة.”

ثم جاء الرقم: 11A…….
حادثة في طائرة هندية، الكل مات إلا شخص واحد.
قيل إن مقعده كان قرب المخرج،
وقيل المصادفة،
وقيل القدر.
لكن المشهد بقي في الأذهان.
كأن كل واحد صار يسأل نفسه:
هل أنا في مقعد آمن؟
هل عائلتي في 11A؟
ولا إحنا أقرب للباب الخلفي؟

ثم… فجأة…
الخبر الذي وحد التايم لاين،
الهلال يهزم مانشستر سيتي!
احتفالات، صياح، أعلام،
لحظة فرح جماعي وسط كل شيء.

وفي أحد المجالس، ضحك اتحادي وقال:
“والله أتمنى الهلال يفوز، هذا شي وطني، وأصلاً لو أخذ البطولة… يصير إحنا الي فزنا على اللي أخذ كأس العالم للأندية.”

في وسط هذا كله…..
بيوت تُنهي يومها بالصمت،
وأمهات يطفئن أنوار الممرات،
ويحاولن ترتيب الغد مثلما يرتبن شنطة المدرسة.
كل شيء يتغير بسرعة،
إلا شيء واحد بقي ثابتًا في القلب:
الحمد لله على نعمة السعودية.
نعمة الأمن والسكينة… ووجوه العائلة.
اللهم أدمها نعمة، واحفظها من الزوال.

وهكذا… كلو في سوقه يبيع خروقه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى