المقالاتعام

القبول الموحد.. فرصة ذهبية أم عبء خفي؟

في خضم التحولات الكبرى التي يشهدها التعليم في المملكة العربية السعودية، ومع تزايد الحاجة إلى أنظمة رقمية تواكب النمو السكاني والتعليمي، برزت منصة القبول الموحد “قبول” كإحدى المبادرات البارزة التي تسعى إلى إعادة تنظيم منظومة التقديم على الجامعات الحكومية ومؤسسات التدريب التقني وبرامج الابتعاث، ضمن رؤية شاملة تهدف إلى ترسيخ مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص، وتسهيل الإجراءات أمام الطلاب والطالبات في مرحلة حاسمة من حياتهم التعليمية. لقد مثّلت المنصة في جوهرها تطورًا نوعيًا على مستوى الإدارة والحوكمة، حيث ألغت فوضى النماذج المتعددة والمواعيد المتفاوتة، وأتاحت للطالب تقديم طلب واحد يشمل جميع رغباته وتوجهاته، مما خفف العبء الإداري والمالي، وقلّص المسافة بين القرار والرغبة، وجعل من عملية القبول أكثر شفافية وانضباطًا. فاعتماد المنصة على النسبة الموزونة كمعيار أساسي للمفاضلة، قد ساهم في إرساء عدالة منهجية تعتمد على مؤشرات موضوعية، بعيدًا عن التوصيات الفردية والازدواجية التي كانت تسود في السابق، كما أنها أسهمت في استثمار أفضل للمقاعد المتاحة من خلال منع ازدواج القبول، وتحقيق استغلال متوازن للفرص التعليمية المتوفرة. إلا أن هذا النظام الذي يبدو محكمًا من الخارج، لا يخلو من ملاحظات جوهرية، تطرح تساؤلات عميقة حول مدى قدرته على استيعاب التنوّع البشري والاحتياجات الفردية للطلاب. فغياب الإرشاد المهني الفعّال داخل المنصة، وعدم توفر محتوى تفاعلي يوضح طبيعة التخصصات ومجالاتها المستقبلية، يدفع بالكثير من الطلاب لاختيار رغباتهم على غير هدى، بل وأحيانًا تحت ضغط المجتمع أو الرغبة العامة، دون إدراك حقيقي لانعكاسات ذلك على مستقبلهم العلمي والمهني. كما أن الطبيعة التقنية للمنصة، رغم تقدمها، لا تزال تعاني من بعض أوجه القصور، خاصة في أوقات الذروة، حيث تظهر حالات من البطء أو التعطّل المؤقت، فضلاً عن محدودية خيارات التعديل بعد الإرسال، وغياب الدعم الفني التفاعلي الذي يساند الطالب حين يواجه مشكلة طارئة أو قرارًا مترددًا. ولعلّ أبرز ما يفتقده هذا النظام هو البُعد الإنساني، الذي يعامل الطالب كحالة معرفية مركبة لا كمجرد رقم في جدول مفاضلات جامد.

إن منصة “قبول” تمثل في ظاهرها فرصة ذهبية لترشيد القبول الجامعي، لكنها قد تتحول في باطنها إلى عبء خفي إذا لم تُرفَد بمحتوى إرشادي عميق، ومرونة وظيفية حقيقية، واستيعاب أشمل لتنوع قدرات الطلاب وميولهم، فالقبول لا يجب أن يكون فقط محطة إدارية تُنجز، بل بوابة معرفية تُلهم، ومسارًا تربويًا يراعي الإنسان قبل الرقم، ويمنح الطالب حق الحلم بوعي، لا بضغط، واختيارًا قائمًا على البصيرة، لا على الحيرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى