
نساء من ذهب وأبناء من طين
— قناة العربية | ثمانينية قضت عمرها تبيع على الأطفال ونساء حارتها لتحقيق حلمها بامتلاك منزل… وابنها يبيعه دون علمها بعد أن عملت طوال عمرها لتقوم ببنائه.
تقول الأم:
“يريد البيت من زمان، وأنا بنيته بتعبي، حتى ما اتعلّمت ولا شي، أشتغل وأجمع من وأنا عمري 15 سنة، عشان أشتري بيت، والله أشتغل في كل حاجة، بعت آيس كريم وبخور وأبيع غوار وبطاطس، هذا شغلي، والآن ما قدرت أكمله.”
🔗 المصدر – قناة العربية عبر نبض: رابط
ذكّرتني هذه السيدة الجليلة بخالة زوجتي، رحمها الله، التي اشترت أرضًا زمن كانت فيه الأرض زهيدة، ثم بدأت ببناء بيت صغير بيدها: كانت تشتري البلوك والأسمنت والزلط، وتضع اللبنة فوق اللبنة بجهدها الشخصي. غرفة، ثم مجلس صغير، فمطبخ، فحمّام… لبنة لبنة، دون يدٍ مساعدة، ولا دعم ابنٍ ولا جار. نعم، رأيت ذلك بعيني.
ولا أدري أين كان ابنها وقتها؟ ولا ما إذا كان تركها بعد كل هذا، أم انتظر حتى وفاتها ليرثه؟
مثل هؤلاء السيدات الفاضلات اللاتي تحملن أعباءً ومسؤوليات تَنوء بها أكتاف الرجال، لهن منا كل التحية والاحترام. وهكذا، في قلب كل مجتمع، هناك نساء يبنين أحلامًا بالعرق والدموع، ويكافحن بصمت، دون أن يطلبن مقابلًا سوى الأمان في كِبَرهن. لكن الطعنة أحيانًا تأتي من الأقربين… من الأبناء الذين يُفترض أن يكونوا ثمرة الجهد، لا سكين النهاية.
لماذا يتحوّل الأبناء إلى جلّادين؟
هذا السؤال يتطلّب تحليلًا لأسباب نفسية واجتماعية وثقافية، يمكن تلخيصها في ما يلي:
1. التربية والثقافة: من الوفاء إلى الاستحقاق
• بعض الأبناء ينشؤون على أن ممتلكات الأسرة هي “حق طبيعي” ينتقل إليهم، حتى إن كانت الأم هي من بناها من الصفر.
• تُختزل تضحيات الأم في مجرد “واجب أمومي” لا يستحق الشكر أو التقدير.
• أحيانًا، لم تجد الأم وقتًا كافيًا لغرس قيم العرفان في أبنائها، لانشغالها بالكفاح، فينشأ الابن على رؤية العطاء بلا مقابل، فيتحوّل إلى مستهلك عاطفي لا يعرف معنى الامتنان.
2. الأنانية والجشع: حين يُستنزف الجذر
• بعض الأبناء يتعاملون مع الأم كصندوق دعم دائم، حتى إذا نضبت مواردها، انتقلوا لاستنزاف ما بنته.
• ثقافة “أنا أولى بميراثك” تُحوّل الأبناء إلى مطالبين لا راحمين.
• ما لم يتعلم الابن كيف يبني، سيظل يهدم ما بنته أمه، بحثًا عن مكسب سريع.
3. الضغوط الاقتصادية: أعذار غير مبرّرة
• في مجتمعات تعاني من التضخم والفقر، قد يتذرّع بعض الأبناء بالحاجة لتبرير بيع منزل الأم.
• لكن الحاجة لا تبرر نزع الكرامة، ولا تبرر التصرف في ما لا يملكون، خاصة حين يكون الثمن هو أمن واستقرار من ربّتهم.
4. غياب التواصل والتقدير: حين تصمت القصص
• قد ينشأ جفاء عاطفي بين الأم وابنها، ليس نتيجة قطيعة، بل بسبب غياب الحديث.
• إذا لم تُروَ له قصة كفاحها، ولم يعرف كيف بُني ذلك الجدار، لن يتردد في بيعه.
• حتى القيم المزروعة قد تذبل إن لم تُسقَ بالحوار والتقدير المتبادل.
5. العادات الاجتماعية: حين يُشرعن الظلم
• بعض التقاليد تُضفي شرعية على سلوكيات ظالمة، فترى ممتلكات الأم “ملكية عائلية”.
• يتصرف الابن على أنه “الرجل المسؤول” ولو دون استشارة.
• يغض المجتمع الطرف، ويبقي على “صورة البرّ” حتى لو ارتدى الجشع عباءة الفضيلة.
دروس وعِبر:
1. أهمية التربية الأخلاقية
العمل الشاق وحده لا يكفي؛ لا بد من غرس قيمة الوفاء منذ الصغر.
الأم التي تكدّ وتكدح دون أن تزرع في ابنها الاحترام، قد تجد نفسها في مواجهة عقوق مغلّف باللامبالاة.
2. تمكين المرأة قانونيًا
على النساء تسجيل ممتلكاتهن بأسمائهن، ووضع وصايا قانونية تحميهن من استغلال الأقربين.
في كثير من الأنظمة، ما زالت المرأة تفتقر لأدوات الدفاع عن نفسها قانونيًا.
3. تعزيز التواصل الأسري
الحوار والتقدير العاطفي يحميان الروابط الأسرية من التفكك.
إذا عرف الابن قصة الجدار الذي بنته أمه، قد يتردد قبل أن يهدمه.
4. دور المجتمع والدولة
برامج التوعية، وقوانين حماية كبار السن، ومكافحة “الصمت الاجتماعي” المُشرعن للظلم، تمثل خطوط الدفاع الأولى.
يجب أن نعيد تعريف العقوق: لا كمجرد رفع صوت، بل كخذلان للحقوق والكرامة.
نتائج هذا الظلم:
• انهيار الثقة الأسرية: حين يخون الابن أمه، ينهار الرابط المقدّس، ويصبح البيت الذي بُني بالحب شاهدًا على الانفصال.
• إحباط المكافحات: القصص المؤلمة قد تثني أخريات عن السعي والعمل، حين يصبحن متأكدات أن تعبهنّ سيذهب لغيرهنّ.
• تأثير نفسي على الأم: الخيانة تقتل أكثر من السكاكين. الأم التي تُجرَّد من بيتها قد تفقد حتى رغبتها في الحياة.
كيف نكسّر الحلقة؟
ما أقسى أن تتحوّل يد البرّ إلى يد بطش…
وما أبشع أن يُباع تعب السنين في لحظة طمع.
ولئن كان للورثة أن يرثوا المال، فلن يرثوا الحق في طمس الكرامة.
فلنروِ قصص هؤلاء النسوة، لا لنشفق عليهن، بل لنصنع من سيرتهنّ سياجًا يحمي غيرهنّ من المصير ذاته.
فلنكن مجتمعًا يحتفي بالأمهات الكادحات، ويقف إلى جانب أحلامهنّ، لا في وجهها.
خطوات عملية:
• تربية الأبناء على الاستقلال: أن يفخر الابن بما يبنيه، لا بما يرثه.
• التوعية القانونية للنساء: تسجيل الممتلكات، وإعداد وصايا تحمي الحقوق.
• إعادة تعريف البرّ: البرّ ليس طاعة عمياء، بل حفظٌ للجهد، ووفاءٌ للحلم، وامتنانٌ للعطاء حتى بعد الرحيل.
📌 دراسة ذات صلة:
بحسب دراسة نُشرت في Journal of Elder Abuse & Neglect، فإن 70% من حالات الاستغلال المالي لكبار السن في الدول النامية يكون الجاني فيها أحد الأبناء أو الأقارب المباشرين.
🔗 رابط الدراسة
https://www.tandfonline.com/doi/abs/10.1080/08946566.2019.1581379



