عام

الصيف والتقارب الاجتماعي

تُعد الإجازة الصيفية فرصة للتقارب والالتقاء، والمجتمع السعودي – بحكم عراقته وعروبته – ينفرد بنسيجه الاجتماعي الذي يعبر عن الأصالة العربية، حيث ورثت الأجيال قيماً اجتماعية رائعة شكّلت لحمة المجتمع، وعبّرت عن هويته العربية الأصيلة بشكل قلّ نظيره على مستوى المجتمعات الأخرى.

وقد تميز المجتمع السعودي بالتقارب الاجتماعي والألفة والتكاتف، وهي القيم التي جعلت العلاقات بين أفراد المجتمع راسخة وثابتة، وأضحت لعقود مضت مضرب الأمثال، وحديث الركبان. وكان للتماسك الأسري والتكاتف الاجتماعي ثمار وإيجابيات يُغبطنا عليها الآخرون.

ومع تجدّد أنماط وأساليب الحياة واختلافها الجذري عمّا كانت عليه من قبل، اختلف شكل العلاقات الاجتماعية، حيث بدت بشكل غير مألوف، يقوم على محاولة التوحد والتواصل عن بُعد دون الحاجة للاجتماع والمناسبات. وأصبح معظم الناس يكتفي بالرسائل والبطاقات بديلاً عن التواصل المباشر، واختفت بذلك مظاهر التقارب بين أفراد المجتمع، الأمر الذي يستدعي من المربين والمتخصصين في علمَي الاجتماع والنفس دراسة وتحليل هذه الظاهرة.

فمن المعلوم أن هذه الوسائل التقنية لا يمكن أن تكون بقوة وتأثير التواصل المباشر، الذي كان سمة المجالس والمناسبات وأحاديث السمر وتفقّد الأحوال. ولذا افتقدت الأُسر والمجتمعات المحلية تلك الأجواء الجميلة التي تعكس التكاتف والصلة.

ويقوى التقارب الاجتماعي في الإجازة الصيفية التي تكثر فيها المناسبات والأعراس، حيث تُعدّ فرصة ممتازة للقاء الأقارب والأحباب والأصدقاء وجهًا لوجه، بدلاً من التواصل عن بُعد، وبالتالي تحدث التفاعلات الاجتماعية المباشرة، حيث يتحدث الناس مجموعات وأفرادًا بشكل يبعث على الألفة والتقارب والمحبة. وتقوم هذه المناسبات والأعراس بدور مميز في علاج الجفاء والتنافر وسوء الظن والخلافات التي أورثتها وسائل التواصل الاجتماعي، وتتم إعادة العلاقات الاجتماعية، ويتساءل الناس عن أحوال بعضهم البعض.

ومن الملاحظ أن كثيرًا من الأقارب قد نسي قرابته أو تباعد بهم الزمن، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل تعدّاه إلى حديثي السن ممّن يعيشون في مدن مختلفة حيث لا يعرفون أقاربهم. وقد ظهرت مؤخرًا بعض الأفكار والمبادرات الجميلة، ومنها الاجتماع الأُسري الذي يلتقي فيه أفراد وفروع الأُسر للتقارب والتعارف وتوثيق الصلات، كما عادت بعض التقاليد القديمة التي تمثّل قيمة مميزة، وخصوصًا في الأعراس.

وقد توصّل بعض الناس إلى حلول لمشكلات القطيعة، وعرفوا أسبابها التي تبدو تافهة بعد معرفتها. ومن الملاحظ أن التقارب الاجتماعي قيمة حثّ عليها الدين في الأساس، ولولا ذلك لما كانت صلاة الجماعة، والجمعة، والأعياد، كلها جماعة، تعبّر عن الأخوّة والمودة ونبذ الخلافات والقطيعة.

وكم هي الأمنية أن يستمر هذا التقارب طوال العام، لكي تعود الصورة الجميلة للمجتمع السعودي الأصيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى