ها نحن نستقبل عامًا دراسيًا جديدًا، تحمل أيامه بشائر العطاء ، وتفوح ساعاته بأريج الجد والاجتهاد ، ونستهل أولى خطواته بتحية إجلال وتقدير لأولئك الذين نذروا أنفسهم لمهنةٍ هي أقدس المهن، ولرسالةٍ هي أسمى الرسالات ، للمعلمين والمعلمات صنّاع الأجيال، وروّاد النهضة.
يا من حملتم أمانة “اقرأ”، ويا من ورثتم ميراث الأنبياء، هنيئًا لكم شرف الرسالة، وسمو الغاية، وعظمة الأثر.
أنتم مشاعل النور في دياجير الجهل ، وسفن النجاة في أمواج الحيرة، وبكم — بعد الله — تتفتح العقول، وتُبنى النفوس، وتعلو الأوطان.
أبشروا، فقد قال عنكم المعلم الأول محمد صلى الله عليه وسلم:
“فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم، إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت، ليصلون على معلم الناس الخير.”
على أكتافكم تُبنى الآمال، وبعزائمكم تُشيد الأوطان، وبإخلاصكم تُغرس القيم ، وتُرسم ملامح المستقبل.
أنتم فخر البلاد في كل زمان ومكان ، أنتم الأمل حين يضعف الرجاء ، وأنتم السراج الذي لا ينطفئ.
والمعلم الحق هو من كان قدوةً قبل أن يكون معلّمًا، من علّم بخلقه قبل قوله ، وبحاله قبل مقاله.
هو من احتضن طلابه بعقل الأب ، وحنان الأخ ، وصداقة الرفيق ، هو من آمن بأن كل طالب أمانة، وأن كل درس رسالة ، وأن كل لحظة في الصف فرصة لزرع بذرة طيبة في قلب فتًى أو فتاة.
ولأن المعلم ركيزة لا تستقيم العملية التعليمية من دونه، فإنه جدير بكل تقدير ، وأولى بكل دعم وتحفيز، وأحق بكل تكريم ، فليس من العدل أن يُطالب بالعطاء ، ولا يُهيأ له المناخ المناسب ، أو تُنكر جهوده، أو يُقلل من شأنه، أو يُزجّ باسمه في مقارنات لا تنصفه، ولا تعكس حقيقة عطائه.
المعلم بحاجة إلى بيئة جاذبة، مزودة بأحدث الوسائل التعليمية ، ومُحاطة بكل محفّز للتميز والإبداع.
وهو بحاجة إلى تنمية مستدامة، تشمل دورات تخصصية، وبرامج تطويرية، تُثري مهاراته، وتفتح أمامه آفاقًا جديدة من الإبداع والتجديد.
وقد أثبتت الدراسات أن الأنشطة الطلابية المصاحبة للمقررات تسهم في تثبيت المفاهيم، وتنمية الثقة، وكسر حواجز الخوف والخجل لدى الطلاب، وتعديل سلوكهم، وصقل مهاراتهم، وهذا لن يتحقق إلا بمعلّم مؤهل، متمكّن، متجدد، وواعٍ بمستجدات العصر.
لذا، من المهم أن يُعيد صُنّاع القرار في ميدان التعليم النظر في سياسات إعداد المعلم، وأن يُولوا عناية فائقة بتأهيله وتمكينه، بما يواكب رؤية المملكة 2030، ويحقق طموحاتها في بناء جيل قادر، طموح، منافس عالميًا.
وفي الختام، ومع بداية هذا العام الدراسي الجديد نقف وقفة تقدير وإجلال ، ونُرسل من أعماق القلوب رسائل امتنان ومحبة لكل معلم ومعلمة، حملوا على عاتقهم أعظم رسالة، وبذلوا أعظم جهد، وساهموا في صناعة أعظم إنجاز…
جيل متعلم ، معتز بقيمه، مهيأ لمستقبله، وواعٍ بدوره في بناء وطنه.
وكل عام وأنتم صُنّاع المجد ، ومصابيح الدرب.
0





