المقالات

مجلس الفئران الدولي

حدثني صديقي فلان وقال: شفت لك ليلة أمس حلمًا عجيبًا.
رددت: وهل أنا طلبت منك تشوف لي حلم، ولا حتى فيلم بدلاً عني؟
قال: ما تبطل مماحكة! قطعت حبل أفكاري.
قلت له: أعتذر يا أبو علان، فقط حبيت أطري الجو. وأنت كمان، حبل أفكارك من الهواء ذبنا! تفضل، هات حلمك العجيب.
قال: لكن لا تقاطعني.
قلت: أبشر.

قال: قبل الحلم، بحكي لك شيئًا واقعيًا. كنت ماشي أمس في رياضتي اليومية وقلت: اليوم بغير طريقي الروتيني وأدخل أتمشى في إحدى الحارات. وأنا مارّ رأيت عمارة عظم، والفضول دفعني أن أقترب أكثر لأرى كم دورًا وشكل المبنى من الداخل. ورأيت في طرفها عدة فئران سوداء، وبدون مبالغة كل واحد منها كان كالأرنب، ويجوسون في الديار فسادًا بكل أريحية. واللطيف أني رأيت قطتين مستلقيتين وكأن الأمر لا يعنيهما. والشهادة لله كأني رأيتهما تحاولان إظهار أنهما لم تريا الفئران، بل إن واحدة منهما عندما رأت الفأر الكبير توارت عنه، ولا أدري أكان ذلك على خجل أم على عجل.

مضيت، وفي موقع آخر رأيت الحالة تتكرر. استغربت من تغير الحال؛ كيف أن الفئران التي كانت ترتعد فرائصها من رؤية قطة واحدة، وتجري لأي خرابة لتنجو بجلدها، أصبحت اليوم تسرح وتمرح ولا تعبأ بأكبر عِرّ في أي خرابة أو مستنقع!

على فكرة (حلوة كلمة “فرائصها”، قعدت أحفظها عدة مرات حتى أنطقها صح).
المهم، قلت: أنقل ما شاهدت لعله يتم الاهتمام به من الجهة المختصة، وما أبغى أرفع صوتي، لأن الظاهر أن الفئران هذه الأيام لها آذان. وأخاف عاقبة ذلك، ويصير نتلقاها من فأر الشوارع أو من فأر الكرة الماكر، وكلاهما همّ وغم.

قلت له: يا أبو علان، سنحيل ذلك لمن يهمه الأمر. وعجل لي بالحلم العجيب.
قال: رجعت البيت ونمت، وحلمت. وما بعرف، أهو تأثير تلك الشوفة المهيبة أم كان حلمًا قراحًا؟

شفت في الحلم أن كبار الفئران قرروا إنشاء كيان أسموه مجلس الفئران الدولي. ويتكون من خمسة فئران، ولذرّ الرماد في العيون أضافوا للمجلس عشرة من القطط. لكن الفئران لها حق الاعتراض والتحكم في القرارات، أما العشرة (البساس) فوجودهم كعدمهم، لا يهشّون ولا ينشّون. وإن نونووا فعلى الفاضي.

ورأيت أن الفأر “فارأمب” هو المتحكم في المجلس إلى حد كبير، لكن أيضًا الفئران “فاركرون” و”فاروتين” و”فاروبينغ” و”فارمر” لهم حق الاعتراض. غير أن “فارأمب” هو الفأر المستبد الذي كلما جاء موضوع يفيد القطط اعترض.

وفي نفس الوقت، لما شافوا القطط أن الفئران كونوا هذا المجلس، اجتمع كبار العراري والقطاوة وقالوا: لعلنا ننشئ كيانًا، ولو مشي حالك، وكبر الجرم ولا شماتة الأعداء، حتى لا يقولوا علينا قطط ما لها قيمة ولا عندها غيرة. فأنشأوا جمعية أسموها جمعية القطط المختلفة. وسبب التسمية أنهم يعرفون أنهم على أي حال لن يتفقوا، فأخذوها من قصيرها وسموها “المختلفة”، فالكذب خيبة.

وانتخبوا “بسوتريش” رئيسًا لها، بحكم أنه عِرّي متعلم ومتكلم ويجيد النونوة على سنع وعلى غير سنع، والنونوة أصلاً ببلاش.

المهم، اجتمعت جمعية القطط المختلفة للنظر فيما رفعه بعض من ربع “قططستين” المتظلمين مما يعانونه من بعض الجهات، وعلى رأسهم الفأر المحتال “فارنياهو”. فهم يواجهون استبدادًا وحرمانًا وقرضًا لم يسبق له مثيل. وأقرّ مجلس القطط المختلفة هذا البند، ورفع التظلم لمجلس الفئران الدولي.

وحاول الأعضاء القطط العشرة تمرير القرار، وذهبوا إلى “فاروتين” و”فاركرون” و”فارمر” و”فاروبينغ”، ونونووا عندهم نونوة تقطع الحجر، كما لم ينونوا في حياتهم من قبل، ونادوا بالويل والثبور وعظائم الأمور، وخاصة عندما تم طردهم من ديارهم وهُجّروا إلى القبور.

وهنا جال في خاطري ما قاله المتنبي:
مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهَوانُ عَلَيهِ
مَا لِجُرْحٍ بِمَيِّتٍ إِيلامُ

بعد ذلك البكاء والعويل وشق الجيوب، تعاطف معهم هؤلاء الأربعة الفئران الكبار، أو ربما تظاهروا بذلك. فهم يعلمون دون شك أن الفأر “فارأمب” سيعترض، وقالوا: خلها تجي منه كالعادة. وهذا ما حصل، فقد قال “فارأمب” بملء شدقيه وبعنترية معروفة: “فيتو”، وكأنكم يا قطط لا رحتوا ولا جيتوا!

فرجعت القطط وذيولها تقمر عيش.

وقمت من نومي وأنا شايل هم القطط من استبداد فئران آخر زمان.
قلت له: يا أبو علان، لا تعجب! ترى هذا زمن الفئران الخبيثة، وعلى أي حال مصيرهم – وإن طال الزمان – سيعودون إلى حجمهم الطبيعي وإلى المكان الذي وُلدوا فيه.

وأنصحك ثاني مرة، إذا رأيت مناظر مثل هذه أو فتحت التلفزيون على قنوات الأخبار هذه الأيام قبل النوم، خذ ملعقة عسل وكأس حليب وتغط كويس. فهذا ترى “باسوس”… أقصد “كابوس”! ولو أن هذا لا يبعد عن ذاك. وكل لبيب بالإشارة يفهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى