المقالات

إعلانات البشبشة… وتسويق الدروشة

«ضفاف الوعي»

في الآونة الأخيرة، كثر الحديث عن الباحثين عن الشهرة في مواقع التواصل الاجتماعي، وبرز مصطلح جديد يتردد على الألسن: «مشاهير الفلس». مصطلح يشير إلى فراغ العقل والقيمة، حيث يتلاقى الهشّ من الداخل مع الهشّ من المعايير، في مشهد يثير السخرية أكثر مما يستدعي الإعجاب.

المتأمل في حال كثير من هؤلاء يكتشف أن المشكل أعمق من مجرد لهاث وراء الضوء. إنه فراغ داخلي متعدد الطبقات: فراغ من المعرفة، وفراغ من القيم، وفراغ من الانتماء لمعنى أوسع من “الترند”. ولأن الداخل فارغ، لجأ بعضهم إلى التمرد على العادات والقيم، محاولين شقّ طريقٍ نحو بقعة ضوء لا يستطيع أصحاب العقول والعلم والمعرفة أن يطرقوها بهذا الأسلوب.

هكذا مارس بعض “العاطلين” عن الفكر والوعي الكذب والتدليس والتبرج والإغراء في رحلة البحث عن المال والشهرة. فكانت النتيجة ما يمكن وصفه بالإثارة العكسية: سلوكيات دخيلة على مجتمع محافظ، أحدثت صدمة وولّدت أزمة وعي في التعاطي مع الكاميرا، التي صارت في يد كل من شاء أن يبيع الوهم.

وفي غفلة، خطف هؤلاء الإعلان من المؤسسات ومن المشرعين، الذين تناسوا مسؤولياتهم، وجلسوا متفرجين على مشهد مُبتذل: حفلات إعلانية أقرب في تنظيمها وأجوائها إلى حفلات أشبه بالأعراس المختلطة في الخارج، حيث تتزين الفتيات وتستعرضن الجمال أمام عدسات الكاميرا، بينما تغيب رسالة الإعلان الحقيقية ويحل محلها صخب لا يخلو من المجون.

إن “مشاهير الفلس” مفلسون من الفكر والقيمة. غير أن الخطر الأكبر لا يكمن في فراغهم هم، بل في أولئك الذين يدعونهم ويحتفون بهم، لأنهم ينتمون إلى العقلية ذاتها: عقلية تبحث عن الهياط لا عن المعنى، وعن البشبشة لا عن الإعلان. ويمكن تسميتها ببساطة: إعلانات البشبشة… وتسويق الدروشة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى