هكذا يمضي نتنياهو يعربد كيف شاء ومتى ما شاء؛ يضرب في سوريا ولبنان وإيران، والآن يلعب بالنار. نسي نتنياهو أن قطر دولة خليجية وعضو في مجلس التعاون الخليجي، وربما هو ومن على شاكلته، نتيجة الغرور، قد ظنوا أن هذا المجلس لن تكون له كلمة تهز أركانه.
نعم، دول المجلس عندها من الحكمة والتعقّل ودراسة كل خطوة وتبعاتها، وتعلم كيف تحافظ على كياناتها وعلى شعوبها. وتعلم أن الحروب لا رابح فيها. ولكن هناك مثل يقول: ما دون الحلق إلا اليدين، وإن للصبر حدود، فاتقِ غضب الحليم.
وتأكد يا نتنياهو أن الدنيا مصالح، فأنت عبء على من يحمي ظهرك سواء كانت أمريكا أو رئيسها. فهي تنفق عليك، وينالها من اللوم الكثير سواء من داخلها أو من خارجها، بل وبدأ حلفاؤها في أوروبا يعلنون علنًا رفضهم لمواقف أمريكا ودعمها الأعمى لإسرائيل. فما بالك بالدول العربية والإسلامية التي صبرت الصبر الجميل، لعل الدبلوماسية تفلح في حلحلة الأمور.
هذه الدول، وخاصة الخليجية، حليفة لأمريكا ولها مصالحها معها، ولكن الطيب من طرف واحد لا يمكن أن يستمر. فعلى أمريكا أن تفكر أكثر من مرة: هل حان الوقت أن تنظر إلى مصالحها أين تكن، بدلًا من الارتماء في حضن إسرائيل؟ لا أحد يطالبها بغزو إسرائيل أو قطع العلاقات أو سحب السفير للتشاور، فهذا دونه خرط القتاد. ولكن عليها أن تلعب دورًا بنّاءً، وأن تقف مع الحق، وتعمل لإنهاء الصراع ليس بدعم إسرائيل في حروبها، بل بدعم السلام.
أيها المجتمع الدولي، وعلى رأسكم أمريكا: اعملوا لإرساء السلام والعدل. أقيموا الدولة الفلسطينية، وانزعوا سلاحها، بل حتى بنادق الصيد اسحبوها. وزيادة على البيعة اسحبوا السكاكين، وربما حتى شفرات الحلاقة والكبريت لا داعي لها، فقد تعوّد الفلسطينيون على شظف الحياة. وممكن أيضًا إن كانت الحجارة مشكلة فالتقطوها حجرًا حجرًا، فما عاد الشعب الفلسطيني يحتاج إليها؛ هو لا يريد إلا السلام والعيش بأمان.
لا يجوز في هذا العصر، الذي تعيش فيه كل شعوب العالم في دول مستقلة، أن يُحرم الفلسطينيون من إقامة دولتهم وتقرير مصيرهم. هم رضوا أن يعيش الكائن المغتصب بسلام، فأليس من حقهم أن ينعموا بذلك السلام في جزء من أرضهم؟ أما آن لهذا الاستعمار الإسرائيلي أن يرحل، وقد جاوز الظالمون المدى؟
فلا يزال السفاح نتنياهو ووزير حربه يهددان بالجحيم على غزة. فماذا بعد؟ هل بقي منزل لم يُهدم؟ هل بقي طفل لم يُفطم إلى الأبد؟ هل بقي شيخ لم يُقتل أو امرأة لم تُثكل؟ ماذا بقي من دمار لم يتم؟ لقد دُمّرت النفوس قبل الأجساد.
كل هذا وأمريكا تضن بكلمة صريحة تعلن فيها موقفًا شجاعًا. حتى عندما تحدث الرئيس ترمب عن الهجوم على قطر قال إنه لم يكن سعيدًا، فقد ربما كانت تنقصه السعادة فقط، وغضّ الطرف عما جرى كان كافيًا. وأعلن أنه طلب من إسرائيل عدم الهجوم مرة ثانية على قطر؛ ما قصّر وفيه الخير، لكن المرة الأولى تكفي وعال العال!
لقد كان صوت المملكة مدويًا؛ فقد أكد سمو الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، أن المملكة تضع كل إمكاناتها لمساندة دولة قطر وما تتخذه من إجراءات لحماية أمنها والمحافظة على سيادتها.
دول الخليج ستجتمع الأحد والإثنين لبحث هذا الهجوم الإجرامي الغاشم، وكل آتٍ قريب. فليس اليوم كالأمس، وسيسمع العالم صوتًا لم يسمعه من قبل، فلقد بلغ السيل الزُّبى، ولكل حادث حديث.



