من خلال قراءتي المتعمقة في الأدب العربي، وجدت أن الخيل لم تكن مجرد دابة تحمل الفارس من مكان إلى آخر، بل أسطورة خالدة مجسّدة تمشي على الأرض! ارتبطت الخيل بالفارس العربي ارتباط الروح بالجسد، حتى غدت رمزًا للبطولة والكرم والوفاء. في عيونها حكاية مجد، وفي صهيلها موسيقى شجاعة، وفي جريها إيقاع من الجمال المندفع الذي لا يُضاهى، ما جعلها مصدر إلهام للشعراء على مر العصور.
لقد رآها الشعراء مرآةً لأنفسهم، وامتدادًا لبطولتهم، ورفيقةً لآمالهم وأحلامهم. فهي لم تكن وسيلة نقل وحسب، بل شريكة الفارس في نصره وهزيمته، في خوفه وإقدامه، في كبريائه وانكساره.
تغنّى الشعراء بشجاعتها، وكيف أنها تشارك الفارس خوض غمار المعارك دون أن تخون أو تتراجع. فعنترة بن شداد يصور جواده في لحظة الخطر، حين أثخنته الرماح، فيقول:
“هَلّا سَأَلتِ الخَيلَ يا ابنةَ مالِكٍ إِن كُنتِ جاهِلَةً بما لم تَعلَمي إِذ لا أَزالُ على رِحالَةِ سابِحٍ نَهدٍ تَعاوَرُهُ الكُماةُ مُكَلَّمِ”
هذا المشهد يفيض وفاءً، ويكشف كيف تتجاوز علاقة الفارس بفرسه حدود الصداقة إلى ما يشبه القرابة الروحية.
ولم يقتصر الوصف على الشجاعة، بل امتد إلى السرعة والجمال الذي يأسر النفوس. فقد شبّه امرؤ القيس اندفاع جواده بصخرة عظيمة يهوي بها السيل من قمة جبل، في صورة تجمع بين القوة والاندفاع وبين السيطرة والانطلاق:
“مكرٍ مفرٍ مقبلٍ مدبرٍ معًا كجلمودِ صخرٍ حطّه السيلُ من علِ”
أما المتنبي، فيجسد مكانة الفرس في حياته ومجده حين يقول:
“الخَيْلُ واللَّيلُ والبَيْداءُ تَعرِفُني والسَّيفُ والرُّمحُ والقُرطاسُ والقَلَمُ”
وهكذا، تبقى الخيل في الأدب العربي أكثر من مجرد دابة؛ بل رمز للأصالة والوفاء، وأيقونة للشجاعة والجمال. هي قصيدة مكتملة الأركان، تروي تاريخ أمةٍ عرفت أن البطولة لا تتم إلا بفرسٍ يشارك الفارس صولاته وجولاته. وما زالت الخيل، في صهيلها وعَدْوها، تحكي سيرة العرب الأولى، وتشهد أن المجد لا يكتمل إلا بخطواتها المتسارعة نحو البقاء والخلود.
بقلم /صباح أحمد العمري







وقفات مميزة حول الخيل وإشارات ذكية ليتها طالت، سلم بيانك أستاذة صباح