ترمب، رئيس أمريكا الذي لا يملُّ من التصريحات ليلَ نهار، كأنه لا يرى رئيس دولة سواه. هناك دول مشهورة بالكلام والضجيج، لكن والله إنها تهون أمام ثرثرة ترمب في المحيط وما وراءه. يميل إلى نسب الفضل لنفسه في كل أمر يحدث؛ فيُعلن أنه أخمد نيران حروب، ونحن نسمع جعجعة ولا نرى طحناً.
إسرائيل ممعنة في غيّها تقتل شعبًا بأكمله؛ رصاصها يُكتب عليه الطارف غريم فلا تتورع عن قتل الأطفال، ومن لم يمت بالسيف مات بالجوع. وتفعل ما تشاء في سوريا أيضًا. وهو يعلن بكل جرأة أنه لم يرَ ولا اطلع على أن هناك في غزة إبادةً جماعية؛ وكأن قتلَ 65 ألف إنسان لا يعني شيئًا، وكأن مئةُ قتيل يوميًّا مقبلات وليست إبادة جماعية. إسرائيل حين تقتل يوميًّا آلافًا من الغزيين، ربما حينها يعترف عاشق جائزة نوبل للسلام بأنها إبادة جماعية — وإن كنت أشكُّ حتى في ذلك.
أعلن أنه سينهي حرب أوكرانيا في أيامٍ معدودات، كأن قادة العالم يقولون له: “شبيك لبيك”. يومًا يحب بوتين ويومًا يكرهه، ونفس الحال مع زيلينسكي. يا فخامة الرئيس: عدم قيام حرب بين مصر وإثيوبيا ليس من تدخلكم؛ الدول لا تحارب بعضها بمجرد غمضة عين ودون حسابات. الهند والباكستان لم تكونا يومًا في وارد حرب لا تبقي ولا تذر؛ فسبق بينهما مناوشات أكبر من تلك الحالية، وهما يعلمان قسوة المعارك وما قد تؤول إليه.
ليس لكم إنجاز حقيقي حتى تاريخه. بل مع الأسف، أنتم لا تغضون الطرف فقط عن جرائم إسرائيل، بل تشجعونها أحيانًا على قتل الأبرياء. نعترف أنكم تضغطون عليها لتُسرِّع القتل حتى “يموت الفلسطينيون عاجلاً غير آجل” — رحمةً بهم! وتوزّعون الهدايا من حقوق الآخرين فتمنحون الضوء الأخضر للاحتلال الإسرائيلي لضم الضفة، فأي سلام هذا وأي عدل؟
تطالبون بإعادة قاعدة باغرام في أفغانستان، وتقولون إن عدم الموافقة سيعقبه “أمور سيئة”؛ على أي أساس؟ هل أصبحت قطعة من أمريكا؟ يصرح ترمب بأنه يستحق جائزة نوبل للسلام. صراحة، لا غرابة؛ فقد تعوّدنا على هذا الهياط الذي لا نهاية له. أي إنجاز للسلام قد تحقق بموات الأبرياء؟ القتل يزداد والمعتدون يتوغلون في أراضٍ لا يملكونها، وبالخصوص في فلسطين، فيولِّغون في دماء أهلها.
ربما لم تصل رسائل الشعوب المؤلمة إلى فخامتكم في البيت الأبيض، الذي يكاد يسود من سياسته الغير عادلة. لكن لكل بداية نهاية، والحياة تبقى، والشعوب لا تموت وهي تناضل لنيل حريتها. جائزة نوبل للسلام هي للنبْلاء فقط



