المقالات

من التتويج إلى الاستثمار: نحو اقتصاد ابتكاري سعودي

كيف يمكن أن يتحول الفوز بـ(23) جائزة في «آيسف 2025» من حدث اختفالي عابر إلى رافعة استراتيجية للاقتصاد المعرفي الوطني؟

وهل يكفي أن نحافظ على المركز الثاني عالميًا بعد الولايات المتحدة ما لم تُترجم هذه الإنجازات إلى قيمة اقتصادية ومعرفية مستدامة؟

هذا هو جوهر التحدي. فبينما تجاوز عدد طلبات البراءات الوطنية (8 آلاف طلب سنويًا)، يبقى الرهان على أن يسهم المبدعون الشباب في رفع نصيبهم من هذه الأرقام. ويظل المرتجى أن يكون حضورهم في المحافل الدولية مدخلًا لإثراء الاقتصاد المعرفي السعودي.

لقد أثبت أبناء المملكة قدرتهم على المنافسة عالميًا، بعد أن حقق المنتخب السعودي في «آيسف 2025» بكولومبوس الأمريكية (23) جائزة؛ بينها (14) كبرى و(9) خاصة. وبذلك حافظ على المركز الثاني عالميًا. هذا الإنجاز لا يمثل تتويجًا فحسب، بل هو ثمرة تكامل مؤسسي شاركت فيه «موهبة» ووزارة التعليم والجامعات الوطنية.

فتحت الجامعات معاملها وكفاءاتها لدعم الطلبة. وأسهمت مؤسسات رائدة مثل كاوست وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن في تدريب الموهوبين بخبرات أساتذتها وبنيتها البحثية المتقدمة. هذه الجهود انعكست مباشرة على جودة المشاركات وارتفاع مستوى التنافسية.

لكن الإنجاز الحقيقي لا يكتمل على منصة التتويج. فالتحدي يبدأ من هناك: كيف تتحول المشاريع البحثية من عروض لامعة إلى منتجات ابتكارية وشركات ناشئة تثري الاقتصاد الوطني؟

فالطريق إلى اقتصاد ابتكاري لا يمر عبر الجوائز وحدها، بل عبر إدارة المواهب البشرية باعتبارها الثروة الأكثر استدامة.

إنها منظومة لا تكتفي باكتشاف الموهوبين ورعايتهم، بل تعمل على تطويرهم وتمكينهم واستثمار قدراتهم. وبهذا الإطار، يغدو الإنجاز نقطة انطلاق لا محطة وصول.

ومن الإنجاز الفردي إلى الطموح المؤسسي، يتجلى هدف المملكة في أن تكون ضمن أفضل عشر دول عالميًا في مؤشر التنافسية لرأس المال البشري. وهو طموح يعكس إيمانها بأن الاستثمار في الإنسان هو الاستثمار الأجدر والأبقى.

ولتحقيق ذلك، يمكن رسم خارطة طريق عملية من خمس خطوات مترابطة:

1. الانتقاء والتصنيف: إنشاء منصة وطنية رقمية تُسجَّل فيها مشاريع «آيسف» وتُفرز سنويًا عشرات المشاريع القابلة للتطوير.

2. الحماية المبكرة للملكية الفكرية: تفعيل مسار سريع لتسجيل ابتكارات الطلاب محليًا ودوليًا.

3. التمويل الأولي لإثبات المفهوم: تقديم منح صغيرة لإنتاج نماذج أولية قابلة للتطبيق.

4. الاحتضان الجامعي: تولي الجامعات الكبرى المشاريع الواعدة وتحويلها إلى شركات ناشئة.

5. التبني الصناعي والتوسع: ربط الوزارات والشركات الكبرى بهذه المشاريع عبر عقود تجريبية أو استثمارات مباشرة.

إنها خطوات مترابطة تبدأ من الاكتشاف. وتتوَّج بالتحويل إلى منتج وطني يعزز الحضور السعودي في الاقتصاد العالمي. في هذا المسار، تُترجم العقول المبدعة إلى قيمة مضافة، تدعم مسيرة التنمية وتُعزز استدامة الابتكار.

وعندما تتكامل جهود «موهبة» ووزارة التعليم والجامعات والهيئات الوطنية، سيغدو رأس المال الفكري السعودي الركيزة الأولى لبناء اقتصاد معرفي ينسجم مع رؤية 2030. وسيضع المملكة في موقع الريادة حيث يكون العقل هو الثروة الأثمن والأبقى.

وهكذا، حين يصبح معيار القوة هو العقول لا الموارد، تكون المملكة قد سبقت إلى المستقبل برهانها المبكر على الإنسان.

أستاذ القيادة التربوية
المدير العام للتعليم بمنطقة مكة المكرمة- سابقاً

أ.د. أحمد بن محمد الزائدي

مدير إدارة التعليم بمنطقة مكة المكرمة سابقًا

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. حفظك الله ورعاك يا أبا اسامة عندما قرأت موضوع سعادتكم تذكرت ذلك الوحش الصغير الذي كنت أتابعه وانا طالب وأفكر فيه بجد واتابعه يكبر ويكبر مثل أسرع شجرة تغوص بعروقها الأرض لتمتص الماء ولتغذي جميع أطرافها لتنبت وتزهر بسرعة عالية مثل شجرة البزرومي. ذلك الوحش هو الصين 🇨🇳
    هل تعلم يا دكتور كم عدد طلبات براءات الاختراع في العام ٢٠٢٤ عند الصين انه أكثر من مليون وثمان مائة طلبا
    وفي اعم ٢٣ بلغ قرابة مليون براءة منحت
    اعتقد نحتاج نتقرب ونعرف معامل ومختبرات هذا الدول. هل لديهم معامل مجهزة و….

اترك رداً على غازي محمد المحمادي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى