المقالات

القبول الموحّد… من تنظيم البوابة إلى ضمان الوصول

قدّمت منصة القبول الموحّدة نقلة واضحة في تنظيم إجراءات القبول الجامعي، وأسهمت في تبسيط المسارات، وتوحيد المواعيد، ورفع مستوى الشفافية. وأظهر العام الأول قدرة أفضل على معالجة الازدواجية وتحسين تجربة التقديم للطلبة وأسرهم. إنها خطوة تحديثية مهمة نقلت القبول من تعدد النوافذ إلى بوابة واحدة أكثر وضوحًا وانضباطًا.

لكن التجربة كشفت أيضًا جوانب تحتاج إلى نظر. فاختلاف معايير المفاضلة بين الجامعات—رغم وجودها في نظام موحّد—خلق حالة من الانتقائية داخل المنصة. ويبرز ذلك في قرار جامعة الملك عبدالعزيز مؤخرًا احتساب اختبار STEP بنسبة 10% في وزن المفاضلة ابتداءً من العام الجامعي 1447/1448هـ؛ فالمعيار يبدو محايدًا، لكنه يرتبط فعليًا بحجم الفرص التعليمية المتاحة للطالب قبل مرحلة القبول، لا بقدراته الراهنة.

فإتقان اللغة الإنجليزية ليس معطىً متكافئًا، بل محصلة لبرامج تعليمية متفاوتة في جودتها وعمقها، ما يمنح طلبة المدارس العالمية والأهلية ذات البرامج المكثفة ميزة تنافسية واضحة مقابل طلبة درسوا في بيئات محدودة الدعم اللغوي. وهكذا يتحول معيار يفترض أنه موضوعي إلى مدخل يعكس تفاوتًا سابقًا في الفرص، وهو ما يثير إشكالًا في عدالة المنافسة داخل المنصة.

ومع اشتداد الطلب والمنافسة على المقاعد في المدن الكبرى، تدفع المفاضلة عددًا من الطلبة إلى جامعات خارج مناطقهم الأصلية. ورغم أن المنصة توسّع الخيارات نظاميًا، إلا أن ضيق المقاعد في المدن الرئيسة يؤدي غالبًا إلى قبول الطلبة في مناطق بعيدة. وهذه الحالات—خصوصًا لدى الأسر التي لديها أكثر من طالب في مرحلة القبول الجامعي—تزيد الأعباء المالية، وتضيف ضغوطًا نفسية على الطلبة، وخاصة الطالبات. فليس كل مقعد معلن مقعدًا صالحًا للالتحاق الواقعي.

وتُظهر التجارب الدولية أن نظم القبول الأكثر تطورًا توازن بين استقلال الجامعات وتكافؤ فرص الوصول. ففي كندا تُوحّد المعايير الأساسية لضبط خط الانطلاق، وفي فنلندا يُراعى البعد الجغرافي لتقليل الانتقال غير الضروري، وفي الولايات المتحدة تُعالج الفجوات التعليمية قبل دخول المفاضلة. ورغم اختلاف هذه النماذج، إلا أن ما يجمعها قناعةٌ واحدة: الوصول عنصرٌ مؤسِّس في العدالة، لا مرحلة لاحقة لها.

وانطلاقًا من ذلك، تبدو الحاجة واضحة لرؤية مستقبلية تجعل المنصة أداة وصول، لا أداة تنظيم فقط. ويمكن تلخيص هذه الرؤية في ثلاثة مسارات مختصرة:

أولاً:
تطوير “مؤشر الوصول الجامعي” ليصبح جزءًا من عملية الترشيح، يأخذ في الاعتبار المسافة، وتكلفة المعيشة، والظروف الأسرية، بما يحدّ من القبولات البعيدة التي تثقل كاهل الأسر.

ثانيًا:
تحديد نقطة بداية وطنية موحّدة للمعايير الأساسية—مثل المعدل العام واختباري القدرات والتحصيلي—بوصفها حدًّا أدنى مشتركًا بين الجامعات، مع السماح بإضافة معايير تعكس خصوصية كل جامعة دون خلق فجوات واسعة بين المتقدمين. أما المعايير الجديدة—كاللغة—فمن المهم أن تمر عبر نقاش وطني معلن يضمن تكافؤ الفرص في نقطة البداية قبل إدراجها ضمن عناصر المفاضلة.

ثالثًا:
توظيف البيانات الضخمة والتحليلات التنبؤية لرصد الطلب الفعلي على المقاعد، وتحسين توزيعها، وتقليل الانتقال غير الضروري بين المدن، بما يربط قرارات القبول بالظروف الواقعية للأسر وأنماط الإقبال الحقيقية.

إن منصة القبول الموحّدة خطوة مهمة في تحديث التعليم الجامعي، لكنها تحتاج في مرحلتها المقبلة إلى أن تنتقل من “تنظيم البوابة” إلى “ضمان الوصول”. فالمقعد الجامعي لا يكتمل بإعلانه، بل بقدرة الطالب على الالتحاق به فعليًا. وعندما تتقارب طرق الوصول إلى الجامعة بدل أن تتباعد، يصبح نظام القبول أكثر تعبيرًا عن توازن حقيقي بين طموح الجامعات واحتياجات الطلبة والمجتمع.

أ.د. أحمد بن محمد الزائدي

مدير إدارة التعليم بمنطقة مكة المكرمة سابقًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى