استوقفتني خاطرة الفيلسوف التاريخي اخي الاستاد الدكتور خالد البكر
التي لامست إشكالية عميقة
في كتابة التاريخ،
فدفعتني إلى هذا التأمل
ردًا عليها ومشاركةً
في همٍّ مشترك.
فالمصطلحات التي نتداولها
في دراساتنا ليست دائمًا
إرثًا موروثًا كما نظن،
بل كثير منها نتاج فكر حديث صاغه مؤرخون ومفكرون ليضعوا الماضي
في قوالب محددة،
تحمل شحنات دلالية
وتصورات فكرية
أكثر مما تعكس واقعًا موضوعيًا.
لذلك حين نكرر هذه المصطلحات دون مساءلة، فإننا في الحقيقة
لا نصف الماضي،
بل نعيد إنتاج رؤية غيرنا له. الجمود ليس قدرًا،
وما المصطلح إلا جسر
بين العلم والخيال،
وعلى هذا الجسر
يمشي المؤرخ، حاملاً
وعي الفيلسوف
وذائقة الأديب،
ليحوّل الوقائع الصامتة
إلى معانٍ نابضة،
ويصوغ من ركام الأحداث
لغة جديدة تكشف الجوهر
لا القشور.
لكن غياب مهارة سكّ المصطلح في كتاباتنا
يعكس فقدان الجرأة
على التأويل،
وانكماش الفكر التاريخي
داخل حدود النقل
أو التبسيط التعليمي.
والحقيقة أن المؤرخ المحترف
لا يكتمل دوره إلا إذا كان
قادرًا على التجريد والتأويل،
لأن المصطلح
ليس مجرد لفظة
، بل بناء تصوري يوجّه الوعي ويحدد زاوية النظر إلى التاريخ. واستعادة هذه القدرة
تمر عبر النقد الواعي للمصطلحات السائدة ومراجعة دلالاتها،
والانفتاح على الفلسفة واللسانيات والأدب
لتغذية ملكة الابتكار،
ثم الجرأة على اقتراح مصطلحات جديدة
تعبّر عن خصوصيتنا
وتلائم سياقاتنا، حتى لو اصطدمت بالمألوف.
عندها فقط يستعيد التاريخ حيويته،
ويصبح المؤرخ صانعًا للرؤية
لا ناقلًا لها.
وهكذا يتضح أنّ الجمود
ليس قدرًا، وأنّ المصطلح
في النهاية ليس كلمة عابرة،
بل جسر يعيد
للتاريخ حرارته،
ويصل بين
دقة العلم
ورحابة الخيال
0


