المقالات

البرنامج الوطني لتقويم التدريب: نحو نموذج وطني لضبط الجودة وتمهين الممارسات

في ظل تنوّع الكليات والمعاهد التدريبية في المملكة، تبرز الحاجة إلى نموذج وطني موحّد يضمن جودة المخرجات، ويربطها باحتياجات سوق العمل بفاعلية. من هذا المنطلق، أطلقت هيئة تقويم التعليم والتدريب البرنامج الوطني لتقويم التدريب، كأحد المبادرات الاستراتيجية التي تستهدف تعزيز الكفاءة والمواءمة، وتمهين الممارسات التدريبية على أسس علمية واضحة.

يُعد البرنامج خطوة نوعية في مسار بناء منظومة تقييم شاملة، تُسهم في تحسين جودة مخرجات التدريب، وتمكين المنشآت من التشخيص الذاتي والتحسين المستمر، ضمن إطار مرجعي وطني يستند إلى معايير دقيقة ومؤشرات قابلة للقياس.

ويستند البرنامج إلى آلية مزدوجة تبدأ بالتقويم الذاتي الذي تنفّذه المنشأة التدريبية وفق محاور ومعايير محددة، تليها مرحلة التقويم الخارجي من قبل فرق مختصة تابعة للهيئة. وتتيح هذه العملية التراكمية صورة متكاملة عن الواقع التدريبي، وتُعزز ثقافة الجودة المؤسسية.

يعتمد البرنامج على إطار معياري شامل يتكون من 6 مجالات رئيسية، و20 معيارًا فرعيًا، و36 مؤشر أداء، تغطي الجوانب الإدارية والفنية، من الحوكمة وإدارة الجودة، إلى كفاءة الموارد البشرية، وفاعلية البرامج، وصولًا إلى الأثر الفعلي على المتدربين، بما في ذلك اكتساب المهارات، وجاهزية الخريجين لسوق العمل، ورضا أصحاب العمل.

وتكمن القيمة المضافة للبرنامج في اعتماده على النتائج والمخرجات، لا مجرد المدخلات. إذ يُركز على أثر التدريب في تحسين فرص التوظيف، واستبقاء المتدربين، ورفع مستويات الرضا، وهي معايير تتسق مع التجارب الدولية الناجحة مثل مؤشرات OECD وإطار EQAVET الأوروبي، وتُعد مدخلًا رئيسًا في نظم التحسين المستمر في العديد من الدول.

ويمتاز النموذج السعودي في البرنامج الوطني بشموليته لكافة أنواع التدريب (الحكومي والأهلي)، وبإلزاميته التي تعزز العدالة والاتساق بين مختلف أنواع المنشآت. كما يُعد أداة استراتيجية لدعم تنفيذ برنامج تنمية القدرات البشرية، وتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 في بناء اقتصاد معرفي قائم على الكفاءة والإنتاجية.

ويعزز البرنامج تمهين التدريب من خلال ضبط معايير القبول والإدارة، وتكريس ثقافة التحسين، وبناء القدرات المؤسسية، بما يُحول المنشآت التدريبية إلى بيئات داعمة لصناعة الكفاءات الوطنية، القادرة على تلبية متطلبات القطاعات الحيوية والناشئة.

إن إطلاق هذا البرنامج لا يُمثّل مجرد مشروع تقويمي، بل يعكس رؤية وطنية متكاملة لإعادة صياغة العلاقة بين التدريب والتنمية، وتحويل التدريب إلى مسار استراتيجي لبناء المستقبل.

وفي عصر يتسارع فيه التغيير، لم يعد التدريب خيارًا تكميليًا، بل غدا ضرورة تنموية ملحّة. ومن هنا، يأتي البرنامج الوطني لتقويم التدريب كإحدى أدوات المملكة لترسيخ ثقافة الجودة، وبناء الإنسان المؤهل، وتفعيل دور التدريب كأحد أعمدة التحوّل الوطني.

أستاذ القيادة التربوية
المدير العام للتعليم بمنطقة مكة – سابقاً –

أ.د. أحمد بن محمد الزائدي

مدير إدارة التعليم بمنطقة مكة المكرمة سابقًا

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. السلام عليكم ورحمةالله وبركاته
    البرنامج الوطني لتقويم التدريب هو خطوة رائعة من حيث وضع مؤشرات لمجالات ومعايير فرعية تقيس واقع اي منشئة تدريب وتعطيها قيمة على ضوئها يمكن الانطلاق للتحسين او التعزيز لكن يوجد في علم البيانات مشكلة في المدخلات والاتجاهات التي من خلالها يتم التقيم الذاتي وايضا نلاحظ كما حدث في فريق التقويم الخارجي عندما كانت قيم المدخلات من الاستبانات لبعض المستفيدين غير واضحة مما جعلهم يرصدون قيم مخالفة للواقع وهذا هو عمل أعضاء الفريق الخارجي لتصحيح القيم لكن لم يحدث ذلك وهذا يجعل البرنامج غير واقعي بشكل كامل.
    شكرا لسعادتكم

اترك رداً على غازي محمد المحمادي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى