المقالات

الذكاء الاصطناعي… بين وهج الإبداع وظل الزيف

في زمن تتسارع فيه التقنية بوتيرة تكاد تبتلع اللحظة قبل أن تكتمل، يبحر معظم رواد الفضاء الرقمي في محيط من الوهم المعرفي والنشوة الثقافية الزائفة، يطاردون سرابًا لا ظل له ولا ماء، كمسافرين في صحراء من الأفكار المبتورة والمعلومات المشوّهة، لا يرتوون علمًا ولا يجدون سكينة للعقل أو الروح. وكما قال الفيلسوف الفرنسي بول فيريليو: “التكنولوجيا تُحدث تغييرات لا يمكن السيطرة عليها في الإدراك والوعي، وتصبح أداة للتحكم لا للتحرير.” وهذا ما يتجسد في ظاهرة الذكاء الاصطناعي الذي لم يعد مجرد أداة مساعدة، بل تحوّل إلى ساحر مموّه يوهم العقول بأنه بوابة المستقبل، فيما يهدد جوهر الإنسان ووجوده الأصيل. لقد منح الذكاء الاصطناعي القدرة للعاجز، وأحيا ما ظُن ميتًا، وفتح أبوابًا واسعة أمام محاكاة الإبداع البشري، وأنتج البعض من خلاله مؤلفات أدبية وتاريخية، وروايات وسيرًا ذاتية تمزج بين الحقيقة والتخييل وتستعير من الإبداع بريقه دون جوهره. لكنه في الوجه الآخر أفرز الكاتب المزيف، والباحث السارق، والمصمم الحالم الذي يبني أوهامًا على أسس واهية، فلا يخلق الإنسان بل يقدّم نسخة رقمية منه، صورة بلا روح وكيانًا فاقد النبض. وكما قال عالم الرياضيات هارولد إدواردز: “المشكلة ليست في التكنولوجيا نفسها، بل في الطريقة التي نختار أن نستخدمها أو نُستخدم بها.” والسؤال الذي يفرض نفسه هو: هل سنبقى قادرين على التحكم في الذكاء الاصطناعي قبل أن يتقمص دور السيد، ونتحول نحن إلى أدوات في خدمته؟ إن التقنية ليست شرًا مطلقًا، لكنها سلاح ذو حدين؛ إما أن نصونه ليكون حارسًا لإنسانيتنا أو نهمله فيتحول إلى معول يهدم وعينا. وكما قال مارتن هايدغر: “الإنسان هو الكائن الذي يسأل عن وجوده، وليس الآلة.” فلنحافظ على هذا السؤال حيًّا، ونجعل الذكاء الاصطناعي وسيلة لتعزيز وعينا، لا لطمس هويتنا. وفي صياغة هذا المقال، جاء الذكاء الاصطناعي شريكًا في البحث والتوثيق، لا بديلًا عن الفكر الإنساني، إذ تكمن القيمة الحقيقية للتقنية في أن تُستخدم بوعي، كمنارة تزيد أفقنا وضوحًا، لا كضباب يحجب الرؤية.

أ. د. عائض محمد الزهراني

نائب الرئيس لإتحاد الأكاديميين والعلماء العرب

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. (الذكاءالاصطناعي) تقنية عصره كما كان (الورق) أعجوبة زمانه. كلاهما (وسيلة) ولا يصنعان إنسانا. ايام (الصحف الورقية) سطعت أنجم وأعطيت مساحات للكتابة وأعمدة يومية او أسبوعية في الصحف والمجلات! وعندما جاء (X – تويتر سابقا) اكتشفنا ان بعضهم لا يستطيع ان يصيغ سطرا باللغة الفصحى مع عشرات من الأخطاء الإملائية!
    والآن، الذكاءالاصطناعي قد (يحبك) رواية نيابة عن (أُدَيْب) و (يكتب) مقالة عن (كويتب) لكن سرعان ما سينكشف عوراهما مع اقصر مقطع في (تيك توك)

اترك رداً على أبو سلطان إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى