في عالمٍ يضجّ بالاضطراب وتتنازع فيه المصالح، ينهض الصوت العربي من جديد ليقول كلمته: إنّ فينا ما يكفي من الحكمة والقدرة لصناعة غدٍ أكثر وعيًا وإنسانية. جاءت شرم الشيخ هذه المرّة لا كمنتجعٍ للراحة، بل كمنبرٍ للضمير العربي، تلتقي فيه الإرادات الصادقة لتصوغ خطابًا جديدًا للسلام، لا يقوم على الشعارات بل على وعيٍ حضاريٍّ يدرك أن الحرب ليست قدرًا، وأنّ السلام لا يُصنع إلا بالعقل والإرادة.
في لحظةٍ مفصلية من التاريخ العربي الحديث، انعقد مؤتمر شرم الشيخ ليعيد للسياسة معناها الإنساني، وللدبلوماسية دورها النبيل كجسرٍ بين الألم والأمل. جاء المؤتمر وسط اشتداد المأساة في غزة، وتشابك المصالح الإقليمية والدولية في مشهدٍ يهدّد بتوسيع رقعة الصراع، غير أنّ صوت الحكمة ارتفع فوق هدير الحرب، حين احتضنت شرم الشيخ لقاءً أعاد للعقل العربي ثقته بذاته، وللأمة قدرتها على أن تكون فاعلة لا مفعولًا بها.
لقد مثّل المؤتمر اختبارًا حقيقيًا لإرادة السلام، ورسالة إلى العالم بأنّ الحوار ما يزال السبيل الأصدق لإنقاذ الإنسان وسط فوضى السلاح. وكان إعلان وقف إطلاق النار في غزة خطوةً أولى نحو كسر دوّامة العنف، وتأكيدًا على أنّ السياسة حين تستعيد بُعدها الأخلاقي تصبح أداة بناء لا هدم.
لكنّ النجاح لا يُقاس بالبيانات، بل بقدرة العرب على توحيد رؤيتهم وتكاتفهم في مشروعٍ جامعٍ يصون أمن المنطقة واستقرارها. فالمرحلة لم تعد تحتمل الانقسام أو التنازع، بل تحتاج إلى وعيٍ مشتركٍ يرى في كل أزمةٍ فرصة لإعادة التوازن وبناء المستقبل. إنّ التكاتف العربي لم يعد خيارًا، بل قدرًا لا مفرّ منه؛ فضعف جزءٍ من الجسد العربي هو ضعفٌ للجميع، وقوة أي قطرٍ هي رصيدٌ للأمة بأسرها.
إنّ مؤتمر شرم الشيخ لم يكن محطةً عابرة، بل إشارة إلى أنّ الأمة العربية ما تزال قادرة على النهوض من بين ركام الأزمات إذا اجتمع قرارها وتوحّدت إرادتها. وحين تتلاقى العقول كما تتصافى القلوب، تزهر من أرضنا حضارة السلام، وينبثق من وعينا العربي مشروع استقرارٍ وازدهارٍ واستمرارٍ للأجيال القادمة. فلا سلام بلا وعي، ولا وعي بلا وحدة، ولا وحدة بلا إرادة تصنع المستقبل. لنا الظاهر، والباطن يعلمه الله، ودائمًا الحق ينتصر على الباطل، ويمكرون والله خير الماكرين



