وأ أتابع مباراة الاتحاد مع نادي الشرطة، استمتعت بذلك السيناريو الفخم الذي سطره اللاعبون.
وهنا أنا لا أتكلم عن الفوز، فكل الأندية تفوز وتخسر، بل أتحدث عن شكل وأداء الاتحاد.
فالخسارة في أول خمس دقائق، ومن ثم طرد لاعب، كانت كفيلة بأن تكون عذرًا لو كان اللاعبون ضعيفي العزم والإرادة، تحت عنوان:
نحن في أرض الفريق المنافس، وأمام جمهور كبير، وطُرد منا لاعب.
لكن كان لعزم الرجال كلمة أخرى، فحوّلوا كل عناصر الإحباط إلى قوة مؤطرة بجماليات الأداء، فانتهى المشهد بفوزٍ جميلٍ وكبير.
وافق ذلك أن وصلتني رسالة من الأخ – أو الابن – وليد، فالمسميات لا تصنع الود والوفاء، ولكن الرجال مخابر ومعادن.
كتب لي وليد، وهو من عشاق الاتحاد، يقول إن جمهور الاتحاد يتداول منذ فترة لازمة جميلة هي:
«الاتحاد للأقوياء»
ويقول لي: ماذا ترى فيها؟
ومن هنا أقول للعزيز وليد: نعم، إن الاتحاد القوي هو بالأقوياء وللأقوياء.
وألقوة هنا هي قوة الفكر والهمة والعطاء.
فرغم ما مرّ على الاتحاد من ظروف صعبة بين الحين والآخر، كان ينهض بعنفوانٍ لا يعرف الانكسار.
فالضعفاء، حتى في وقت الرخاء، حين ينهضون تتثاقل خطواتهم، وإن لحقوا بعربة من قطار الفرص فاتتهم العربات الفاخرة.
أما الأقوياء، فينهضون بكبرياء الكبار، ويسابقون عربات النجاح، لا يتركون منها شاردةً ولا واردة.
قال المتنبي:
وإذا كانت النفوس كبارًا تعبت في مرادها الأجسامُ.
وهكذا هو الاتحاد، مهما مرّ بعواصف، لا يكل ولا يمل من مقارعة الخطوب، وإن تعب جسده تحامل عليه بقوة الإرادة وعبق التاريخ.
فهو كيانٌ راسخةٌ جذوره في عمق الإرث الرياضي، يمضي قُدمًا وكأني به يردد:
«يا جبل ما يهزّك ريح»
قوة الاتحاد تكمن أولًا في تاريخه؛ فهو لم يأتِ بقرار ولا بمجرد تنظيم كروي، بل وُلد بالمعاناة والإصرار.
فكونه أول نادٍ سعودي جعله يتحمل عبئًا جسيمًا لترسيخ مفهوم أن للكرة عميدًا، وأن العميد لا يكذب أهله.
إنه أيقونة لا تُنسى في تاريخ الرياضة، وليس مجرد عابر سبيل.
الاتحاد حكايات لا تنتهي، وما خفي منها أعظم.
أما عناصر قوته، فأولها الرجال الذين أسسوه، أولئك الذين سطّروا أسماءهم في سجلٍّ من نور، وكان إنشاء النادي بالنسبة لهم جهدًا وتصميمًا وفكرًا حيًّا، لا أمنيةً عابرة.
ومن أوائل هؤلاء الفضلاء: حمزة فتيحي، وعبدالعزيز جميل، وعلي سلطان، وعثمان باناجة وغيرهم رحمهم الله جميعًا.
وثاني عناصر القوة هو جمهوره العظيم الذي توارث العشق من جيلٍ إلى جيل.
كما مرّ الاتحاد بمحطاتٍ قادها رجالٌ أقوياءٌ أصحاب عزيمةٍ وشكيمة، منهم المرحوم إسماعيل مناع، الذي جاء في فترةٍ لا يحضرها إلا الشجعان، ثم الأمير طلال بن منصور الذي كرّس تلك المواقف وبذل الجهد والمال، وتبعه ثلة من الرجال الأوفياء الذين لم يألوا جهدًا في إبقاء العميد منافسًا شرسًا.
عاد الاتحاد لهوايته في صيد البطولات والسيطرة عليها، خصوصًا في فترته الذهبية التي اجتمع فيها القرار والجهد والدعم، فحقق الثلاثيات والرباعيات.
وقد مرّ عليه في تلك المرحلة عمالقة التدريب مثل: ديمتري، كندنيو، يوردانسكو، وأوسكار، ولاعبون من الطراز الرفيع: حمزة إدريس، واليامي، ومبروك زايد، والصقري، وسيرجيو، وبهجا، ودونادوني.
تذكّرت مع مقولة «الاتحاد للأقوياء» عندما فاز الاتحاد بأحد الكؤوس قبل نحو أربعة عقود، فكتبت حينها أغنية “الاتحاد قوة” التي غنّاها ولحّنها الفنان علي عبدالكريم، وأطلقناها في منزل الإنسان الوقور أمين أبو الحسن رحمه الله.
وكأنّي أستقرئ في ذلك الجيل مشاعر أجيالٍ قادمة لا تؤمن إلا بقوة العزم والعمل.
فالجمهور هو القوة التي لا تضعف، والوقود الذي لا يخبو نوره.
جيلٌ بعد جيلٍ، يكبر وينمو ويتجدد، وتتوارث الأجيال صبابة الحب العميق، لتصنع منه مصل الانتصارات، وعنوان البطولات، وروحًا تنهض بمن لا حراك له، فتُنجز المستحيلات…
وهي تردد دائمًا:
الاتحاد قوة… والاتحاد فقط للأقوياء.



