تتشكل الأمم العظيمة في اللحظات التي تعيد فيها بناء ذاتها وترسيم هويتها، وبين استقلال الولايات المتحدة عام 1776م وتأسيس الدولة السعودية الأولى في 22 فبراير 1727م يتجلى مساران كبيران يبدوان متباعدين جغرافيًا وزمنيًا، لكنهما يتقاطعان في جوهرهما؛ إذ يقوم كلاهما على إرادة قوية لصنع دولة حديثة قادرة على توحيد المجتمع وصياغة مشروع سياسي مستقر. فقد جاء إعلان الاستقلال الأمريكي ليشكل ميلاد دولة تقوم على الدستور ووحدة الولايات وسيادة القانون، وقد استطاع الآباء المؤسسون وعلى رأسهم جورج واشنطن تحويل واقع الانقسام إلى قوة اتحادية متماسكة جعلت من الولايات المتحدة واحدة من أهم القوى الدولية. وعلى الضفة الأخرى شهدت الجزيرة العربية لحظة تأسيس محورية عام 1727م حين نشأت الدولة السعودية الأولى برؤية واضحة تقوم على ترسيخ الأمن وتوحيد الجغرافيا، ثم تتابعت مراحل الدولة حتى اكتمال التوحيد على يد الملك عبد العزيز عام 1932م، فظهرت المملكة العربية السعودية الحديثة كامتداد طبيعي لمشروع بدأ قبل ثلاثة قرون يقوم على بناء هوية وطنية مستقرة ودولة مركزية قوية. ورغم اختلاف السياقات التاريخية فإن نقاط التلاقي بين التجربتين تظل واضحة؛ فكلاهما اعتمد على قيادة مؤسسة في لحظة تحوّل، وكلاهما نجح في جمع وحدات جغرافية متعددة تحت سلطة موحدة، وكلاهما امتلك رؤية سياسية جعلته قادرًا على الانتقال من مرحلة البناء الداخلي إلى التأثير الدولي، وهو ما مهّد لاحقًا لظهور شراكة استراتيجية بين البلدين. وعندما التقى الملك عبد العزيز بالرئيس روزفلت على متن الطراد كوينسي عام 1945م كان ذلك اللقاء تتويجًا منطقيًا لتجربتين تاريخيتين تشتركان في فهمهما لأهمية الدولة واستقرارها. فقد أسس ذلك اللقاء لإطار طويل المدى قام على الاحترام المتبادل وتلاقي المصالح في الأمن والطاقة ورعاية الاستقرار الإقليمي. وفي العصر الحديث جاءت زيارات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للولايات المتحدة لتجدد هذا الإرث وتعيد صياغته وفق لغة المستقبل، إذ لم تعد العلاقة مقتصرة على النفط والأمن بل توسعت لتشمل الاقتصاد الرقمي والطاقة المتجددة والاستثمار والتقنية والدفاع المتقدم، وقد أكد ولي العهد في لقاءاته مع القيادات الأمريكية أن رؤية 2030 تمثل تحولًا تاريخيًا يجعل المملكة شريكًا عالميًا في صناعة المستقبل. وهكذا يتبين أن التاريخ المشترك بين الاستقلال والتأسيس ليس مجرد تشابه في الوقائع بل هو تقاطع في فلسفة بناء الدولة وقدرتها على تحويل اللحظات الكبرى إلى مشروع مستدام، وهو ما يمنح الشراكة السعودية الأمريكية جذورها العميقة وآفاقها الواسعة.
0


