في زحمة الحياة وتشعّب علاقاتها، نجد أنفسنا أحيانًا غرباء في وطننا الداخلي. نبحث عن السكينة في عيون الآخرين، ونستمدّ القوة من حضورهم، لكننا ننسى أن أولى مرافقي في هذه الرحلة هي “نفسي”. تلك الكينونة التي تسكنني، تتحاور معي، تثور عليّ أحيانًا، وتحتضنني في أخرى. هي ليست مجرد ظلّي، بل هي أنا في أعمق تجلياتها.
الجسد والروح: حوار الأنا المتعددة
“أحيانًا أكون أنا هو، وأحيانًا يكون هو أنا، وأحيانًا نكون نحن نحن!”.. هذه العبارة تختزل لغز الوجود الإنساني. فنحن لسنا كيانات ثابتة، بل نحن سِيَر متحركة بين:
– “الأنا الواعية” التي تخطط وتُحاسب،
– “الذات الباطنة” التي تُخبئ أحلامًا وخوفًا،
– “والنحن” التي تظهر حين تذوب الحدود بيني وبين نفسي، فأصبح كليًا موحَّدًا في لحظات من الصفاء.
في هذا التمازج، ندرك أن الاعتناء بالنفس ليس ترفًا، بل هو واجب وجودي. فكما قال الفيلسوف “نيتشه”: “كل إنسان هو أبعد الناس عن نفسه”، ولذا نحتاج أن نعود إلى ذواتنا كمساحة مقدسة نرعاها قبل كل شيء.
الزمن والموت: الوحيدان القادران على الفراق
العلاقة مع النفس هي العلاقة الوحيدة التي لا تنتهي إلا بفناء الجسد. حتى في الوحدة، تبقى النفس رفيقةً تُناجي صاحبها. لكن الخطر الحقيقي ليس في الموت، بل في “الموت المعنوي*”الذي يسبقه: حين نهمل ذواتنا تحت وطأة الحياة، أو نُبدّدها في سعيٍ وراء إعجاب الآخرين. هنا يصبح الموت مجرد خاتمة طبيعية لحياة لم نعشها حقًا.
“أنا مش عارفني!”
هذا المقال ليس مجرد تأمل، بل هو بوابة الكتاب الذي أعدّه. عنوانه المؤقت (مع نفسي) أو (“أنا مش عارفني!) يعكس المفارقة الإنسانية: كلما ظننا أننا نعرف أنفسنا، نكتشف طبقات جديدة من الغموض. الكتاب سيكون رحلة في:
-“التعرّف على الذات” عبر الأسئلة المحرجة.
– “المصالحة مع الأجزاء المظلمة” فينا.
– “بناء حوار دائم” مع النفس كشرط للحرية الحقيقية.
خاتمة:
إذا كان لي أن أوصي القارئ بشيء قبل أن يطوي هذه الصفحة، فهو أن يُجيب عن هذا السؤال: “متى آخر مرة جلستَ مع نفسك بلا قناع، ولا هروب؟”. ففي تلك الجلسات وحدها تُبنى الحياة التي تستحقُّ أن تُعاش.

0