ودّعنا صباح يوم الإثنين 3 / 2 / 1447هـ الضابط القدوة، والرجل الخلوق، والقائد الملهم، اللواء فؤاد بن عبدالرحمن الحضراوي، ولله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بمقدار، وإنا على فراق أبي عبد الرحمن لمحزونون.
ومن محاسن الصدف أنني عندما تخرجت من كلية الملك فهد الأمنية عام 1403هـ وتعيّنت في قوات الطوارئ الخاصة، كان قائدها آنذاك اللواء فؤاد بن عبدالرحمن الحضراوي ـ رحمه الله ـ وكانت رتبته “عقيد”، وقد وجدت فيه كل صفات القائد الناجح التي كنا نتخيّلها كضباط حديثي التخرج نبحث عن القدوة؛ فكنّا نراه الضابط المهيب، الشجاع، الوقور، المنضبط، الذي يتصرف بحكمة وخبرة.
كانت قيافته مميزة، ومظهره حسن، وتوجيهاته سديدة. لقد كان حليمًا في غير ضعف، وقويًا في غير عنف. كما كان عاشقًا لعمله، محبًا لوطنه، مخلصًا لولاة أمره. وقد أحدث نقلة نوعية في قوات الطوارئ الخاصة لا زال أثرها حتى اليوم.
كان حريصًا ـ رحمه الله ـ على رفع الحس الأمني، وتعميق الولاء لهذا الوطن العظيم وقادته الأوفياء، وبثّ الروح العسكرية العالية بين جميع الضباط والأفراد.
وكان ـ رحمه الله ـ يبدأ بنفسه في كل عملٍ يرغب منا تنفيذه، كما كان مثالًا يُحتذى به في القيافة، والضبط والربط العسكري، ودقة المواعيد.
وكان دقيقًا في تعليماته، حريصًا على تنفيذها بكل همةٍ وامتياز، عطوفًا على مرؤوسيه، يتلمّس احتياجاتهم، ويساعدهم في تخطي أزماتهم.
وقبل قيادته لقوات الطوارئ الخاصة، كان مديرًا للدفاع المدني بمحافظة الطائف، وقد أُصيب أحد الزملاء الضباط في حادث حريق إصابات بليغة تطلّبت نقله للعلاج خارج المملكة، فرافَقَه أبو عبد الرحمن في رحلته العلاجية، إيمانًا منه بأهمية الزمالة وواجبات القيادة.
تعلّمنا على يديه الإخلاص في العمل، والدقة في المواعيد، وجودة التدريب، وساهم في ابتعاث الكثير من منسوبي قوات الطوارئ الخاصة للدورات الداخلية والخارجية.
وحتى بعد تقاعده، كانت اتصالاته وتواصله مستمرة مع كل من عمل تحت إدارته، أو تربطه بهم صلة قرابة أو صداقة. وكم فاجأني باتصال هدفه الاطمئنان ورفع الروح المعنوية.
رحل قدوتنا العظيم، تاركًا سيرةً عطرة، وأداءً أمنيًا مميزًا، وعملًا إنسانيًا رائعًا.
رحم الله أبا عبد الرحمن، القائد المحنّك الذي تشرفنا بالعمل معه أستاذًا وموجهًا وقائدًا وأخًا كبيرًا. وبكيناه فقيدًا غاليًا، وندعو له بالرحمة والمغفرة والفردوس الأعلى من الجنة.
ومما يُخفف المصاب: دعاء الصالحين له، وحزنهم البالغ عليه، وبقاء الخلف المأمول، الزميل الغالي، والصديق الوفي، البار بوالديه عبدالرحمن، الذي يتحلّى بكل الصفات الحميدة التي اكتسبها من والده.
نسأل الله تعالى أن يغفر لوالدنا الفاضل فؤاد، وأن يجازيه خير الجزاء على ما قدم، كما نسأله ـ عز وجل ـ أن يرحمه، ويسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، ويُلهم إخوانه وأبناءه وذويه وأصدقاءه الصبر والسلوان.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
• كاتب رأي ومستشار أمني





