المقالات

نعمل لغدٍ أجمل”… لكن الغد لا يأتي

في منتصف الطريق تُرفع لافتة أنيقة: “نعمل لغد أجمل”.
لكننا لا نرى الغد، ولا الجمال، بل نرى الحفر وقد سكنت المكان، وأوقفت الزمن.

نحن لا نرفض التطوير، بل نحلم به.
لكن الحلم لا يُولد من حفرة تُفتح وتُترك، ولا من شارع يُغلق بلا نهاية، ولا من حيّ يتحوّل إلى ممر مؤقت تعبره سيارات لا تعرف أن بين الجدران أطفالًا، ومرضى، وعجائز ينتظرون لحظة عبور آمنة.

في الجهة المقابلة، محلات تجارية تصارع الفراغ.
عشرات الآلاف تُخسر يوميًا، لا بسبب السوق، بل لأن الوصول أصبح مغامرة.
أما الاعتذار المعلّق على السياج الحديدي، فلم يعد يُواسي أحدًا.
“إذا طالت، تبرد”… والاعتذار الذي يُكرّر بلا نهاية، يفقد دفئه، ومعناه.

حفرة تُفتح، ثم يغيب الطاقم.
مرحلة تنتهي، ثم تُعلّق الأعمال انتظارًا لمستخلص أو توقيع.
“اللي ما يخلّص شغله، يخلّي الناس في غُلبه”، ونحن في غُلبٍ لا نعلم له نهاية.
كأن الحي كله عُلّق على سطر في فاتورة.

وما بين هذه التفاصيل، نُسي الجار.
نُسي أن المشروع يمر بين منازل، قرب مساجد، بجوار مراكز صحية.
“الجار قبل الدار”، لكنها قاعدة غابت عن دفاتر التنفيذ.

في دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية، لا يُمنح تصريح الحفر إلا بعد اكتمال الاستعدادات.
يُنجز العمل خلال 24 ساعة، وتُردم الأرض ويُعاد السفلتة قبل شروق اليوم التالي.
لا تُغلق الأحياء، ولا تُحتجز الحياة اليومية خلف حواجز إسمنتية.

أما هنا، فكل خطوة تمر بصمتٍ ثقيل.
زمنٌ لا يُحسب، وخسائر لا تُعوض، وحيّ كامل يُعطّل دون معرفة السبب أو المدى.
لكن “الدنيا دوّارة، واليوم عندك، وبكرا عند غيرك”، ومن يحمل صلاحية الحفر اليوم، قد يحتاج غدًا إلى أن يُفتح له بابٌ بلا عائق، أو يُطرق عليه بلطف.

إن أردنا غدًا أجمل، فلنبدأ بالوضوح.
بجدول زمني واضح.
بتخطيط لا يُهمل البشر من أجل البنية.
برؤية لا تسجن الحيّ داخل مشروع مفتوح.

نحن في وطن طموح.
رؤية 2030 وعدتنا أن نعيش جودة الحياة، لا أن ننتظرها خلف التحويلات.
والجودة تبدأ حين يشعر المواطن أن المشروع يُنجز لأجله… لا حوله، ولا على حسابه.

فنعم، نعمل لغدٍ أجمل…
لكن أجمل ما في الغد… أن يأتي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى