المقالات

لَمَّةُ الإخوة… منازلُ نور، ومواطنُ برّ

في زمنٍ تتزاحم فيه الهموم، وتُثقل الأرواح، ما زالت في بعض البيوت لَمَّةٌ عَطِرة…
يجتمع فيها الإخوة والأخوات، يتبادلون الأحاديث، يضحكون من ذكرياتٍ لم تشِخ،
وقد تختلف النفوس أحيانًا، لكنها تعود فتلتئم، كأنّ القلب لم يعرف يومًا غير الصفاء.

ليس ذلك ترفًا من العاطفة،
ولا عادةً بالية من زمنٍ مضى،
بل هي صِلة أودعها الله في الأرواح الطيبة،
صلةٌ من رحمٍ واحد، ومن عطر حنان أمٍّ وأبٍ غابا، لكنّ أثرهما لم يغب.
قال تعالى:
﴿والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب﴾
هؤلاء هم أهل الفضل، الذين يصِلون الرحم لا رياءً، ولا جزاءً، بل رجاءَ وجه الله.
وصلة الرحم لا تعني
أن القلوب لا تُجرَح،
ولا أن الأرواح لا تتألم،
بل تعني أن هناك من يحتمل، ويعفو، ويؤثر السكينة على الانتصار،
يُراعي قلب أمه لو كانت حيّة، أو يدعو لها في قبرها بأن تُسقى من برّه قطرًا لا ينقطع.

يا من أكرمك الله بأخٍ أو أخت…
اعلم أن فيهم ظلّ أبوين رحلا،
وفيهم بقايا صوت العائلة حين كانت عامرة،
وفيهم أثر دعواتٍ طيبة، وملامح من حنانٍ لن يتكرّر.

لا تكن صلبًا في موضع اللين،
ولا تُطفئ دفءَ العلاقة بسبب كبرياء لحظي،
فإن الله لا يرضى بالقطيعة، وإن الدنيا قصيرةٌ لا تحتمل جفاء.

توددك لإخوتك ليس ضعفًا،
بل هو نخوة، ومروءة، وشرف،
هو نور في القلب، وسكينة في الروح،
وهو من برّ الوالدين، وإن غابوا تحت التراب.

فلا تُفرّط في لَمَّتِك،
واحفظها كما تحفظ كنزًا نادرًا،
فهي من بركات الحياة،
ومن أسباب الرزق،
ومن دلائل الطهر،
ومن أجمل أبواب رضا الله.
لعلّك لا تدري…
أن في لحظة ضحكك مع إخوتك، أجرًا،
وفي عناقك لهم، صدقة،
وفي سكوتك عن الخطأ، رحمة،
وفي سعيك لوصلهم، جنةٌ تمهّد لك الطريق.

فازرع في قلبك نيةً نقية،
أن تحيا بأخلاق النبلاء،
وتموت بقلبٍ لا يحمل ضغينة،
فتلقى ربك، وهو راضٍ عنك، برضاك على من قسمتَ معهم دفءَ الحياة.

د عبدالرحيم محمد الزهراني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى