في لقطة هاتفية خاطفة، خُيّل للبعض أنها عابرة، لكنها في الحقيقة تلخّص حكاية وطن يُعاد تشكيله. لا بمراسيم صامتة، بل برؤية تنبض في الميدان، وتفاصيل تُدار بوعي ودهاء. ملف مرسل بعنوان “مطار أبها الجديد – Final 3.pdf” بدا كأنه وثيقة تصميم، لكنه كان في جوهره وثيقة ثقة، وسطرًا من فصول التحوّل الذي تعيشه المملكة. حتى رقم النسخة الثالث لم يكن تفصيلاً هامشيًا، بل دليلاً على أن الجودة لا تمر من أول محاولة، بل تُنقّح وتُصقل حتى تليق بطموح القيادة.
وردّ ولي العهد لم يحتج إلى اجتماع ولا لجان، ثلاث كلمات كافية: “فوستر عظيم – هذا مطار يليق بأبها – مناسب”. وفي لحظة، جاء الجواب من الأمير تركي بن طلال: “نعتمده طال عمرك”. لم تكن محادثة، بل لحظة اعتماد، بثقة وسرعة، وبدون أوراق متراكمة أو أختام بيروقراطية.
ولم يكن المشروع الذي أُرسل مجرد تصور هندسي، بل رؤية طموحة لمطارٍ يخدم أكثر من 13 مليون مسافر سنويًا، عبر 90 ألف رحلة، و20 بوابة تفتح أبوابها للعبور نحو المستقبل. مشروعٌ بهذه الضخامة لم يُعلَّق بين لجان ولا انتظر جلسة رسمية، بل عُرض عبر تطبيق، وأُجيز بالأسلوب ذاته. وهنا، تتجلّى الرسالة: الإنجاز لا يتعارض مع النظام، لكنه لا يجب أن يُعلّق عليه. ابدأ بالإجراءات، نعم، لكن لا تجعلها تعيقك. تحرّك، وابنِ، وسِر في الاتجاه الصحيح دون أن تنتظر الضوء الأخضر من كل جهة، حين تكون الرؤية واضحة والنية صادقة.
ردة الفعل الشعبية لم تتأخر، بل كانت فطرية وصادقة. خلال ساعات، تحوّلت صور الحسابات الشخصية للآلاف إلى شعار النخلة والسيفين—رمز الدولة وراية القيادة. لم يكن ذلك مجرّد تقليد لصورة بروفايل القائد، بل تعبير عن شعور داخلي جمعي، بلغة لا تُقال ولكن تُفهم.
وفي وقتٍ كثرت فيه الشعارات الجوفاء، جاءت هذه الحركة العفوية لتعكس معنى الانصهار الحقيقي بين القيادة والشعب، فهي ليست مجاملة رمزية، بل امتدادٌ لذلك المشهد الذي لم ينسَه السعوديون، حين وقف ولي العهد أمام الكاميرات واضعًا يده على صدره في حركة عربية خالصة تعبّر عن الامتنان، والاحترام، والتقدير الصادق. لم تكن لفتة بروتوكولية، بل وعدًا غير منطوق بأن القائد يرى، يسمع، ويشكر بقلبه قبل كلماته، وأن العلاقة بينه وبين الناس ليست علاقة سلطة، بل علاقة مصير ورفقة طريق.
وما كان لهذا النموذج أن يُثمر لولا أن الأمير محمد بن سلمان أعاد تعريف القيادة ذاتها. لم يُغيّر الوجوه فحسب، بل غيّر مفهوم الكفاءة. القائد في هذا العهد لا يُختار بناءً على اسمه، بل على أثره، ولا يُمنح الثقة إلا من يتقدّم، ويواجه، ويجيد الإنجاز. من برامج مثل “قادة 2030” و”هدف”، إلى تمكين المرأة، وتطوير القطاع العام، وحتى مساءلة القيادات… لم يبق موقع إلا وتسلّل إليه السؤال الجوهري: ماذا أنجزت؟
التغيير لم يكن تنظيرًا في مكاتب مغلقة، بل عملًا في الهواء الطلق. المشاريع لا تُؤجَّل، ولا تُرحَّل. من نيوم إلى العلا، ومن جدة إلى السودة، من أرامكو التي تُتقن الذكاء الاصطناعي، إلى عسير التي تتنفس سياحة، ومن جازان الزراعية إلى الرياض الرقمية… كل منطقة بات لها نصيب، وكل قطاع له خارطة طريق.
في هذه التجربة، لم تعد المملكة تُقاس بسنوات التنفيذ، بل بسرعة التحوّل. تحوّلٌ لا يخشى الملفات الثقيلة، ولا يوارب الفساد، ولا ينتظر الخارج ليمنحه شهادة. فها هي المملكة تعيد رسم هويتها أمام العالم، لا فقط كدولة ذات موارد، بل كدولة ذات رؤية، وقائد يمضي في الطليعة، لا يكتفي بالتوجيه، بل يبادر، ويحتضن، ويصنع الفارق.
ولعلّ أعظم ما في هذه القصة، أنها لم تنتهِ. نحن في منتصف الطريق، لكن الثقة بلغت ذروتها، والناس يرون ويشعرون أن القادم أجمل، لأن من يقودهم لا يؤمن بالمستحيل، ولا يسمح للبيروقراطية أن تُعطّل حلمًا، ولا يرضى بأقل من القمة.
هذا مطار يليق بأبها… وهذه قيادة تليق بوطن.
أيّها القائد…
لقد غيّرت معنى القيادة.
وجعلتنا نؤمن أن الرؤية ليست حلمًا يُنتظر، بل وعدًا يُنفّذ.
وأن كل سعودي، في موقعه، هو جزء من هذه القصة.
اللهم أدم علينا هذه النعم، ووفق ولاة أمرنا، واجعلنا جميعًا على قدر هذه الثقة العظيمة.






