المقالات

حين يتكلم القلب قبل اللسان: حكمة العقلاء وتهور الحمقى

في زحمة الحياة وتسارع الأحداث يبقى للكلمات وزن وللعبارات أثر قد يرفع صاحبه إلى القمم أو يهوي به إلى القاع. ولعل من أبلغ ما قيل في هذا السياق تلك الحكمة البالغة: “لسان العاقل وراء قلبه، وقلب الأحمق وراء لسانه” جملة قصيرة لكنها تفتح أبواباً من التأمل وتسبر أغواراً من الفهم العميق لطبيعة الإنسان وتفرق بين عقل راجح يزن الكلام قبل نطقه وبين طيش أحمق يندفع بالكلمة قبل أن تمر على مصفاة الفكر.

عقل العاقل: حين يصبح القلب هو الحارس

العاقل لا يتحدث بمجرد الشعور أو الانفعال بل يجعل من قلبه بوابة يعبر من خلالها لسانه فلا تخرج الكلمات إلا وقد مرت على محكمة الضمير .. وفلتر الحكمة .. ومصباح البصيرة. قلب العاقل ليس فقط مركزاً للعاطفة بل رقيباً على فمه يمنعه من جرح الآخرين أو قول ما يندم عليه لاحقاً.

ولذا تراه صامتاً حين يكثر اللغط ومتحدثاً حين تحين اللحظة المناسبة. يدرك أن الكلمة الطيبة قد تصلح ما أفسده الزمن وأن الكلمة الجارحة قد تهدم ما بناه العمر.

*قلب الأحمق: لسان يركض بلا رقيب*

أما الأحمق فقلبه ليس سوى تابع ذليل للسانه. يتكلم أولاً ويفكر لاحقاً .. إن فكر أصلًا. تندفع كلماته كالسهم الطائش تجرح وتؤذي وتشوه دون وعي منه بما تخلفه من أثر. ولسانه أشبه بفرس جامح لا لجام له من فكر ولا زمام له من وعي.

تراه يخوض في كل حديث ويقاطع كل نقاش ويقول ما لا يليق في مواقف تتطلب صمت الحكماء. فيقع في الأخطاء ويخسر الاحترام ويصنع الأعداء من لا شيء.

*بين اللسان والعقل: معركة تخاض كل يوم*

ليست المسألة في الكلام بحد ذاته .. بل في توقيته .. ومضمونه وأسلوبه. كل إنسان يخوض هذه المعركة اليومية: هل أتكلم؟ هل أصمت؟ وماذا أقول؟
وهنا يبرز الفرق بين من يقدم العقل على اللسان ومن يجعل اللسان سيد الموقف.

ففي عالم اليوم حيث تنتشر الكلمات كالنار في الهشيم عبر وسائل التواصل تزداد الحاجة إلى تلك الحكمة القديمة. ففي لحظة غضب أو تغريدة عشوائية، قد نخسر صديقًا، أو نُشعل فتنة أو نندم على ما لا يصلح.

ليتنا ندرك – قبل كل كلمة – أن “العاقل يملك لسانه والأحمق يملكه لسانه”.
وأن الصمت أحياناً أعظم من ألف خطاب فليكن قلبك بوابة لسانك وليكن عقلك حارس حروفك.
فالكلمة .. إما أن تكون جسراً يبنى أو ناراً تشعل.

• عضو هيئة تدريس – جامعة المؤسس

أ.د. عصام بن إبراهيم أزهر

رئيس وحدة الكائنات المعدية مركز الملك فهد للبحوث الطبية جامعة الملك عبد العزيز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى