المقالات

“تصنيف المحتوى الإعلامي درعٌ لحماية عقول النشء في عصر الانفتاح الرقمي

في ظل الانفتاح الإعلامي الواسع وتزايد إنتاج البرامج التلفزيونية والمسلسلات والمنصات الرقمية ؛ أصبحت الحاجة إلى أنظمة واضحة لتحديد الفئات العمرية للمحتوى الإعلامي أمرًا لا يمكن تجاهله ، فالعالم اليوم يواجه تحديات تربوية وأخلاقية معقدة، لا سيما فيما يتعلق بحماية النشء من التأثيرات السلبية للمحتوى غير المناسب لأعمارهم ، ولهذا برزت أهمية تبنّي وتطبيق الأنظمة المعتمدة لتصنيف البرامج التلفزيونية حسب الفئات العمرية باعتبارها أداة فعّالة لضبط المحتوى وتوجيه المشاهدين نحو خيارات تناسب نضجهم العقلي والاجتماعي.
تستند هذه الأنظمة إلى معايير دقيقة تشمل تحليل مستوى العنف في البرنامج، واللغة المستخدمة ، والمشاهد الصادمة أو المرعبة ، إلى جانب السلوكيات المخالفة للقيم المجتمعية ، وتتفاوت هذه المعايير من دولة إلى أخرى بحسب سياقاتها الثقافية والاجتماعية، لكن الهدف المشترك بينها هو حماية الفئات العمرية الصغيرة من التأثيرات الضارة للمحتوى الإعلامي.
تكمن أهمية هذه التصنيفات في أنها توفر للأسر أداة إرشادية تساعدها على اتخاذ قرارات مدروسة بشأن ما يشاهده أطفالها ، فالمحتوى غير المناسب قد لا يؤثر في لحظته فقط، بل قد يُحدث آثارًا نفسية وسلوكية طويلة المدى، منها التبلد العاطفي، التعود على العنف، أو تقليد سلوكيات ضارة دون إدراك لعواقبها ، وقد أظهرت دراسات تربوية ونفسية أن الأطفال والمراهقين الذين يتعرضون بانتظام لمحتوى عنيف أو غير مناسب في سن مبكرة يصبحون أكثر عرضة للاضطرابات السلوكية أو الصراعات القيمية لاحقًا.
إلى جانب دور الأسر، تتحمل المؤسسات الإعلامية مسؤولية أخلاقية في الالتزام بهذه التصنيفات من خلال تقديم تنبيهات واضحة قبل عرض أي محتوى مخصص لفئة عمرية محددة، ومراعاة توقيت العرض بحيث لا يتزامن مع ساعات الذروة التي يُحتمل أن يشاهد فيها الأطفال، كما أنّ على الجهات الرقابية والتشريعية أن تفرض آليات صارمة تضمن احترام التصنيفات، وأن تواكب تطورات المحتوى الرقمي الذي بات يتجاوز الشاشات التقليدية إلى الهواتف المحمولة والحواسيب الشخصية.
في المجتمعات العربية بدأت بعض الهيئات الإعلامية بخطوات جيدة في هذا الاتجاه من خلال اعتماد أنظمة تصنيف مشابهة ، إلا أن التحدي الأكبر يكمن في تعميم هذه الممارسة وتوعية المجتمع بأهميتها، خاصة في ظل غياب وعي كافٍ لدى بعض الأسر، وعدم إدراك الكثيرين لخطورة المحتوى الذي يتسلل إلى البيوت من دون رقابة أو توجيه.
إن تطبيق معايير التصنيف العمري ليس ترفًا تنظيميًا، بل هو ضرورة لحماية عقول الناشئة من الانفتاح غير المنضبط على ثقافات ومضامين قد تضرهم أكثر مما تنفعهم. فالتربية الإعلامية اليوم لا تقل أهمية عن التربية الأسرية أو المدرسية، وهي مسؤولية جماعية تبدأ من وعي الفرد ، وتنتهي بتشريعات الدولة.
وفي عالم أصبح فيه الطفل متصلاً بالشاشة أكثر مما هو متصل بوالديه أو معلميه، فإن الاستثمار في تصنيف المحتوى الإعلامي هو استثمار مباشر في مستقبل الأجيال القادمة.

د. فايز الأحمري

كاتب صحافي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى