في زمنٍ تتكاثر فيه الضوضاء، وتزدحم فيه الساحة بمشاهير اللحظة العابرين، يظل هناك رجالٌ يصنعون مجدًا لا يزول، ويتركون بصمةً لا تُمحى. من بين هؤلاء يشرق اسم البروفيسور سعيد الزهراني، ابن الوطن البار، ورائد الكيمياء الحديثة في المملكة العربية السعودية.
ليس مجرد عالمٍ يسطّر اسمه في سجلات الأبحاث، بل هو قصة إصرارٍ وحلمٍ تجسّد في شخصٍ جعل من العلم رسالة، ومن الابتكار طريقًا، ومن حب الوطن دافعًا لا ينضب. حمل هموم المعرفة على كتفيه، فأبدع، وابتكر، وأدهش العالم بإنجازاته التي تجاوزت حدود المختبر إلى أن صارت مناراتٍ تضيء للأجيال المقبلة.
نال وسام الملك عبدالعزيز من الدرجتين الممتازة والأولى، وصُنّف ضمن أفضل 2% من علماء العالم في الهندسة الكيميائية، وأحرز 26 براءة اختراع و175 بحثًا علميًا محكمًا. ومع ذلك، فإن أجمل ما يميزه ليس الأرقام ولا الجوائز وحدها، بل ذلك التواضع العميق الذي يكسو شخصيته، والوفاء الصادق لأرضه ووطنه.
هو الذي أبهر عقول الأمريكيين بحل لغزٍ كيميائي استعصى عليهم أكثر من ثلاثين عامًا في جامعة أوكلاهوما. لم يكن في مسعاه باحثًا عن مجدٍ شخصي، بل حاملًا لراية وطنٍ أراد أن يثبت للعالم أن أبناءه قادرون على أن يكونوا في الصفوف الأولى من مسيرة الحضارة الإنسانية.
إن الحديث عن الدكتور سعيد الزهراني ليس مجرد استذكار لإنجازاته، بل هو دعوة للتأمل: كيف يمكن لشابٍ من أرض التوحيد أن يحوّل حلمه إلى واقع، ويغدو سفيرًا للمعرفة في كل محفل؟ وكيف يمكن لشخص واحد أن يقدّم درسًا للأمة بأسرها في أن الشهرة الحقيقية لا تُقاس بعدد المتابعين، بل بعدد العقول التي تُلهمها، والأجيال التي تفتح لها أبواب الأمل؟

فلنرفع رؤوسنا فخرًا بأمثاله، ولنجعل من قصته منارةً نضيء بها عقول أبنائنا، ونزرع بها في قلوبهم يقينًا بأن التفوق ليس حكرًا على أحد، وإنما هو ثمرة إيمانٍ صادق، وعملٍ دؤوب، وحبٍ للوطن لا يعرف المساومة.
هؤلاء هم النماذج الراقية التي تستحق أن تتصدّر المشهد، وأن تكون “الترند” الحقيقي في حياتنا.


