المقالات

بين المدير والقائد: رحلة من الإدارة إلى الإلهام

في عالم تتسارع فيه المتغيرات وتتزايد فيه التحديات، يبرز الفرق الجوهري بين المدير والقائد كفارق بين من يحرك آلة، ومن يُلهم روحاً. الصورة المرفقة تلخص لنا بخطوط واضحة ما يغفل عنه الكثير: ليس كل من يجلس على كرسي المسؤولية قائداً، وليس كل قائد يحتاج إلى كرسي ليلهم الآخرين.
الإدارة: سلطة المنصب وحدود الصلاحيات
المدير يتحرك غالباً ضمن مساحة ضيقة، يستند إلى المنصب، ويؤكد على صلاحياته، ويضع الخطة ثم يملي القرارات. قد ينجز العمل بدقة، لكنه كثيراً ما يزرع الخوف بدل الحماس، ويشغل نفسه بالتفاصيل الصغيرة بدل أن يلهم رؤية كبرى. النتيجة: فريق ينتج لكنه لا يبدع، يعمل لكنه لا يبتكر، يتبع التعليمات لكنه لا يملك الشغف.
القيادة: قوة الإلهام ورحابة الرؤية
على النقيض، القائد يشعل الحماس، ويقول “نحن” بدل “أنا”. يعطي الأولوية للفريق، يفوض الصلاحيات، ويزرع الثقة التي تجعل الناس يعملون وكأنهم أصحاب المشروع. القائد يطرح الأسئلة بدل الأوامر، يتعامل وفق القيم والمبادئ، ويجيب على سؤال “لماذا؟” قبل “ماذا؟”. لذلك فإن أثره يتجاوز اللحظة، إذ لا يكتفي بتحقيق الخطة، بل يزرع قادة جدد ويطلق طاقات الآخرين.
جوهر الفرق: صناعة الأتباع أم صناعة القادة؟
أعمق ما في الفرق بين الاثنين هو أن المدير قد يجبر الآخرين على اتباعه، أما القائد فيجعلهم يتبعونه طوعاً وبشغف. المدير يضع الخطة، أما القائد فيمكن الناس من تحقيقها. المدير ينشغل بالمصلحة، والقائد ينشغل بالقيم والرؤية. وهنا يكمن سر القيادة الحقيقية: إنها ليست موقعاً على قمة الهرم، بل طاقة متجددة تُلهم وتصنع المستقبل.
إن المؤسسات لا تحتاج فقط إلى مدراء يحافظون على النظام ويسيرون العمل، بل إلى قادة يصنعون الرؤية، ويشعلون في الناس نور الإبداع، ويتركون أثراً يبقى حتى بعد غيابهم.
فلتكن قائداً لا مديراً، فالعالم لا يتذكر من أصدر الأوامر، بل من أضاء الدرب

أ.د. عصام بن إبراهيم أزهر

رئيس وحدة الكائنات المعدية مركز الملك فهد للبحوث الطبية جامعة الملك عبد العزيز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى