بعد أن أكرمني الله بالحصول على درجة البكالوريوس من قسم تقنية المختبرات الطبية، شاءت الأقدار أن أبدأ مسيرتي المهنية بالالتحاق بالقسم ذاته معيداً، لأخطو أولى خطواتي العملية وأستكمل مسيرتي العلمية في جامعة المؤسس، الجامعة التي لم تكن مجرد صرح أكاديمي بل بيئة ملهمة صنعت حاضرنا ورسمت ملامح مستقبلنا.
ريادة الجامعة في إعداد المبتعثين
لم يكن الابتعاث تجربة عابرة، بل مشروعاً متكاملاً وضعت له الجامعة أسساً راسخة، حيث بادرت مبكراً عبر مركز تطوير التعليم آنذاك إلى إعداد برامج نوعية للمبتعثين. وقد كان لقيادة أستاذي الفاضل الدكتور أحمد عطا الله – المبدع الملهم، الذي نسأل الله أن يجزيه عنا خير الجزاء – دور بارز في تأسيس تلك المنظومة، إذ غرس بفكره النير روح الريادة والتميز.
تجربة لا تنسى: دورة كيف تدرس بالكلية
من أجمل الدورات التي حضرتها في تلك المرحلة ما كان بعنوان “How to Study in the College”، وهو كتاب قيم ومعبر استقطبت الجامعة مؤلفه ليشاركنا خبراته مباشرة. لم تكن دورة عابرة، بل محطة مفصلية غيرت أسلوبنا في التعلم والمذاكرة، وكانت بحق من أهم عوامل النجاح فيما وصلت إليه لاحقاً.
ثمرات ممتدة وعلاقات راسخة
ما يميز تلك البرامج أنها لم تقتصر على الجوانب الأكاديمية فحسب، بل منحتنا فرصة التعرف على زملاء أعزاء من مختلف الكليات والتخصصات. كانت تلك البداية لعلاقات وطيدة امتدت خارج حدود الوطن، واشتدت أواصرها خلال مرحلة الغربة، حيث تقاسمنا التحديات وتجاوزنا الصعاب معاً. واليوم، بعد مرور السنين، ما زالت تلك المحبة والود قائمة، شاهدة على أن الجامعة لم تصنع فقط علماء وباحثين، بل صنعت كذلك صداقات وإنسانية عابرة للحدود.
بر الوالدين ودور الأسرة
ولا يفوتني أن أُقر بأن أعظم أسباب التوفيق والنجاح بعد عون الله عز وجل كان بر والدي الكريمين – رحم الله أبي الحبيب وأطال الله في عمر أمي الغالية – فقد كان لدعائهما ورعايتهما أعظم الأثر في مسيرتي العلمية والعملية والاجتماعية. كذلك، فإن وجود رفيقة دربي وزوجتي الحبيبة غادة حسن باجودة – حفظها الله ورعاها – كان ركيزة أساسية في إستقراري ودافعيتي، حيث كانت السند والعون في لحظات الغربة والتحديات، وبفضل الله ثم بفضلها اكتملت منظومة الدعم الأسري التي صنعت مني ما أنا عليه اليوم.
الخاتمة
إن ما وصلت إليه اليوم بعد توفيق الله، ثم بفضل تلك الرؤية المبكرة لجامعة المؤسس، وعظيم أثر بر الوالدين، ودعم زوجتي العزيزة، هو شاهد حيّ على أن الاستثمار في الإنسان هو أعظم استثمار. فالشكر أولاً لله سبحانه وتعالى، ثم لكل من خطط ودعم ونفذ تلك المبادرات الرائدة، التي صنعت من جيلنا جيلًا قادرًا على حمل الأمانة، ومواصلة مسيرة العلم والابتكار بعزم لا يلين … وللحديث البقية من خلال سلسلة من “الغربة إلى الخبرة: صفحات من ذكريات الإبتعاث”
0


