المقالات

عزّنا بطبعنا… أمجادنا تتجدد ورؤانا تتحقق

حين رفع خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام القواعد من البيت الحرام، دعا ربه: «رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ». فكان الأمن والرخاء قدر هذه الأرض، وصار عزّها مرتبطًا بدعوة نبي ورسالة نبي، وهو ما جعلها عبر التاريخ متفردة في هويتها، ممتدة في جذورها، ثابتة في رسالتها.

ثم جاء نور الإسلام مع بعثة محمد ﷺ، فجعل هذه البلاد مركز الرسالة الخالدة. منها أشرقت العقيدة، وإليها تتجه القلوب في الصلاة والحج، ومنها انطلقت دعوة التوحيد التي حررت الإنسان من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.

وتعاظم هذا الشرف حين اصطفى الله هذه الأرض باحتضان الحرمين الشريفين؛ مكة المكرمة والمدينة المنورة، فجعلها قبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم. ومن هنا تشرف ملوك المملكة بلقب خادم الحرمين الشريفين، لأنه لا شرف يعدل خدمة بيت الله الحرام ومسجد رسوله ﷺ، فصار اللقب وسامًا يختزل رسالة الدولة وأمانتها.

ومن هذه الجذور نهضت الدولة السعودية، فوحدت القبائل المتفرقة، وأعادت للوطن عزّته، ورسخت هويته على أساس التوحيد، لتبقى قوية قادرة على صون رسالتها.

واليوم نعيش فصلًا جديدًا مع رؤية السعودية 2030، التي حوّلت الموارد إلى قدرات، والقدرات إلى كفاءات، والكفاءات إلى ميزة تنافسية جعلت المملكة قوة إقليمية وعالمية. فقد تضاعف صندوق الاستثمارات العامة، وتوطنت الصناعات الدفاعية، واستقطبت الرياض مئات الشركات العالمية، وتجدّدت حياة المدن، وتقدمت المرأة السعودية بثقة واقتدار.

ومع ذلك، لا بد أن نتوقف قليلًا وسط هذه الوتيرة المتسارعة؛ فالتغيرات الهائلة التي حدثت في سنوات معدودة جعلت المملكة تتصدر مواقع لم يكن يتخيلها أحد: عضويتها في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ريادتها في الطاقة المتجددة، رئاستها لقمة العشرين في لحظة تاريخية حرجة، ودعمها الإنساني والدبلوماسي لقضايا العالم وعلى رأسها فلسطين. أضف إلى ذلك دورها المحوري في استقرار أسواق الطاقة العالمية عبر «أوبك+»، واستضافتها لأكبر الفعاليات الرياضية والثقافية والاقتصادية، فضلًا عن ريادتها في الاستثمار بالتقنية والذكاء الاصطناعي. إننا نسير بسرعة فائقة، حتى أن كثيرًا من الإنجازات تمر أمامنا ولا نستوعب حجمها إلا إذا توقفنا وتأملنا: كيف انتقلت المملكة من الاعتماد إلى الريادة، ومن المشاركة إلى القيادة، ومن الاستهلاك إلى الإنتاج، حتى غدت معيارًا عالميًا في مجالات متعددة.

وفي خطابه الأخير، أكد سمو ولي العهد أن المصلحة العامة هي الهدف الأسمى. جملة تختصر فلسفة الدولة الحديثة: أن كل نظام ومؤسسة وقرار غايتها خدمة الإنسان، وصون الهوية، وضمان العزّة، في الداخل والخارج على السواء.

واليوم، ونحن نحتفل باليوم الوطني الخامس والتسعين تحت شعار “عزّنا بطبعنا”، ندرك أن عزّنا متجذر في الدعوة والرسالة، وممتد بخدمة الحرمين، ومترسخ بدولة قامت على التوحيد، ومتعزز برؤية أعادت صياغة المستقبل. وما بعد 2030 لن يكون نهاية، بل بداية لعصر جديد تُصبح فيه المملكة مرجعًا عالميًا ونموذجًا يُحتذى به.

عزّنا بطبعنا… أمجادنا تتجدد ورؤانا تتحقق. ونسأل الله أن يديم على وطننا أمننا وأماننا، وعزه وكرامته، وأن يحفظ قيادتنا وشعبنا، ويجعل رايتنا خفاقة ما تعاقب الليل والنهار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى